لقد تغيرت فعلاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف تعرف أنك تغيرت؟ تغيرت طباعك عما كنت عليه قبل سنوات، تغيرت ذائقتك في اختيار الأصحاب والأصدقاء ووجهات السفر ونوعية الثياب، وتحديداً في اختيار الكتب والروايات التي تقرأها؟ نعم أنت لست من كنت عليه منذ عشر سنوات، وأنت لست الشخص نفسه قبل اجتياح كورونا، واجتياح إسرائيل الدموي لقطاع غزة، وقبل أن ينهمر البياض على شعر رأسك، وتغزوك آفة الضجر سريعاً من كتاب بين يديك لا تطيق إكماله، وفيلم سينمائي تجد موضوعه بعد ربع ساعة من المشاهدة مملاً إلى درجة السخف، فتغير القناة أو تذهب للقائمة مجدداً لتختار شيئاً آخر تكمل به سهرتك!

أنت لست ضجراً، ولست متطلباً، ولست كئيباً، ولا تحب الإحباط والمحبطين، وتعلم أنك طوال حياتك كنت تفاخر بأنك لم تعرف هذا الشعور، ولم تقع ضحية لبراثنه الجهنمية، لكنك وقد اعترفت بأنك قد تغيرت فعلاً، تبحث بجدية كبيرة عن تلك الأشباح الخفية التي حطت على كتفيك فجأة، وصارت تهمس في أذنيك بخيارات لم تفكر فيها يوماً، وبمجرد أن تمسك بكتاب أو رواية وتبدأ في القراءة، يأتيك من خلف عنقك صوت تكاد تشعر بحرارته على جلدك ليمنعك من إكمال هدفك، ويزرع في قلبك الكثير من التردد والشك!

قد لا يهمس لك أحد بشيء، قد يكون كل ما يدور في داخلك من أفكار ونفور هو محض علامات ونتائج لحقيقة أكبر، حقيقة أنك تغيرت! تغيرت نظرتك للأشياء، وإحساسك بها واحتياجك كذلك، فأنت اليوم تحتاج لأشياء مختلفة تماماً، لأن رغباتك واحتياجاتك أصبحت في مكان مختلف عما كنت عليه، فلماذا تلوك أفكارك وكتبك وقراءاتك وأسفارك نفسها؟ عليك أن تجد طريقاً آخر بمجرد أن تشعر بكل ذلك!

فما لك وهذه الكتب التي لا تغني ولا تسمن من جوع، إن معظم ما يكتب اليوم، وما يمنح جوائز وأوسمة، لا يضيف للحقيقة شيئاً يذكر، ولا يكسر أي جليد يحيط بك، ولا يزلزل أي قناعة، إنها مجرد كتابات تعيد إنتاج أفكار سبق وقيلت منذ أزمنة طويلة.. فلماذا تصر عليها إذاً؟ ابحث عمّا تحب لا عمّا يحبه الآخرون!

Email