إنهم لا يكفون عن الشكوى!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول أديب روسيا الكبير ديستويفسكي في روايته «الجريمة والعقاب»: «نحن أقوياء، لا عليك من كلام المحبطين، نحن نستيقظ كل يوم لنعيش الحياة نفسها في المكان نفسه مع الأشخاص أنفسهم، وهذا بحد ذاته كفاح» هل تتخيل أن مجرد اعتيادك على تكرار تفاصيل أيامك، التي تنظر إليها أنت بعدم رضى، وبكثير من التبرم والشكوى يمكنها أن ترقى إلى حد الكفاح؟ إنك تكافح أشباحاً لا تحتمل ولا قِبل للإنسان بمواجهتها، فما بالك وأنت تقارعها كل يوم؟ تجلس إليها، تنصت إلى هذياناتها المملة، ووسوساتها وهي تدفعك إلى حافة الهاوية لتضحك في إثر سقوطك، لكنك في كل مرة تفوت فرصتها، وتتمسك بهذه الهبة الربانية العزيزة: الحياة

أثناء جري الزمن بك، يمر بك كثيرون، بوجوه متبرمة وأصوات عالية وناقمة، يشتكون من كل شيء: من الأصدقاء، والأزواج، والوظيفة، والأبناء، والأهل، وقلة ذات اليد، وغلاء المعيشة، ورغم أنك واحد من هؤلاء إلا أن أحداً لا يراك، لا يهتم بك، وأنت تتذكر طفولتك، مراهقتك، ظروف حياتك البعيدة، التي كانت سيئة إلى حد البؤس، تتذكر ما مر بك من أوجاع وصدمات، إلا أنك تصر على عدم الشكوى وتمضي!

إن الناس لا يحبون كونك لا تشكو مثلهم، لا يريدون أن تبدو مثالياً في حضرتهم، في حين أنهم يظهرون نواقصهم بوضوح، يحبونك أن تكون إنساناً من لحم حساس ودم فائر وتشكو، لذلك اشتكِ قليلاً لترضي نزعتهم القاتمة أو المتشائمة ولو لبضع الوقت إن استطعت، وإلا فغادرهم سريعاً!

إن الذي لا يشكو يكون في نظرهم شخص بلا نواقص ولا احتياجات، وهذا يعني أنك تمتلك، وأنك مكتفٍ، هذا يعني أنك في منزلة أعلى منهم وأفضل، وهذا يثير نوازع غيرتهم!

أنت تعتقد بأن الشكوى لا معنى لها، في ظل ما يعيشه العالم، وما يجتاح الحياة من تجاوزات ومظالم ودموية، يدفع ثمنها أطفال ونساء وشيوخ وفتيات صغيرات وطلاب مدارس... الشكوى رفاهية وسط ما تنعم وينعمون به... وتتذكر: «اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم».

Email