في الوحدة لا أحد ينام!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن تركت وظيفتها في مكتب البرمجيات، قررت «لوثيا» في رواية (فلا أحد ينام) أن تشتغل كسائقة تاكسي، وفي أول يوم ركبت معها سيدة ودار بينهما حديث جاء فيه: «لا تخجلي من الصراحة، قالت الراكبة، أنا أركب تاكسيات كثيرة لأفضفض، السيارة نوع من فقاعة تخلق حالة من الحميمية العابرة بين غريبين، لقد اعترفت لزملاء وزميلات بأسرار لا يعرفها حتى أعز صديقاتي».

(فلا أحد ينام) هي آخر ما صدر مترجماً للعربية للإسباني خوان خوسيه مياس، وفيها يواصل نسج حكاياته حول موضوعه الأثير «الوحدة وما تفعله بصاحبها» حيث يشكل الحفر في إشكالية الوحدة واحداً من اهتماماته التي بنى عليها العديد من أعماله الروائية الشهيرة، التي غالباً ما يتصرف فيها شخوص الروايات بطريقة تبدو غير مفهومة، لكنها بالنسبة لهم هي الحل الوحيد لمواجهة الشعور القاتم بأنهم أشخاص غير مرغوب فيهم وأن يصبحوا أشخاصاً مرئيين ومحل اهتمام!

إن إنقاذ الروح التي تختنق في وحدتها بسبب معاناة صاحبها من الشعور بالشك أو الذنب أو النفي هو ما يصنع تفاصيل معظم روايات مياس، كما كان مع «إلينا» بطلة رواية (هكذا كانت الوحدة) للكاتب نفسه، أو كما في حالة الطفل ذي الـ12 عاماً في رواية (قصتي الحقيقية)، والتي عانى فيها هذا الطفل طويلاً جراء تسببه دون قصد في قتل والدين وطفلهما، مما جعله يكفر عن ذلك بالتقرب إلى ابنتهما (ايريني) الناجية الوحيدة من الحادث المروع!

إن (الوحدة) كثيمة في السرد الروائي لها جمالياتها ورسائلها الكثيرة التي نجح خوسيه مياس في تفكيكها وتوصيلها للقارئ عبر عدة أعمال وبسرد قد يبدو فيه بعض التطويل أو الملل أحياناً، إلا أن ذلك مجرد وجهة نظر، والحقيقة أن التفاصيل في رواياته ليست تكراراً بقدر ما هي استدعاء ضروري للظروف التي أوصلت شخصيات العمل للحالة التي هم عليها، فلقد احتجنا الكثير من التفاصيل مثلاً لنعرف ما الذي دفع بإلينا بطلة (هكذا كانت الوحدة أو العزلة) لتستأثر بتحرٍ خاص يراقب زوجها ومن ثم يراقبها هي شخصياً!

يعتبر خوسيه مياس واحداً من أبرز الكتاب الذين تفوقوا في تناول الأدب من منظور نفسي بالتركيز على موضوع الوحدة.

Email