انتصاراً للحقيقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لفترات زمنية طويلة ولظروف سياسية متشابكة ومعقدة مرت بها بلداننا العربية، حدثت تحولات لا حصر لها، تركت آثارها المدمرة على أوضاعنا السياسية والثقافية، وعلى طرائق تفكيرنا ونظرتنا للحياة والآخر المختلف عنا!

فحدث تحريف كبير لمسألة الخلاف والاختلاف، وخرج فقهاء وعلماء ومنظرون، قننوا وكرسوا ظاهرة كراهية الاختلاف والحوار مع الآخر المختلف، أياً كان سبب الاختلاف، حيث لا يجوز شرعاً وقانوناً -كما قالوا- التقارب مع المختلف عنك في العقيدة أو المذهب أو حتى في الولاء والتوجه السياسي!

مع مرور الزمن انتقلنا من طور الـ«لا يجوز» إلى طور التحريم، إلى درجة أن قال البعض إنه يحرم على المسلم أن يرد التحية على غير المسلم، مع أن القرآن الكريم -الذي هو كتابنا وموجهنا- مع مشروعية الاختلاف، بل ومع ضرورته، حيث يقول الله تعالى: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربُّك ولذلك خلقهم».

يقول المفسرون في ذلك: خلقهم ليختلفوا ويتنافسوا إعماراً للأرض وإثراء للحياة ورقياً للإنسان والمجتمعات، إذاً فالاختلاف حقيقة ثابتة ومستمرة إلى يوم القيامة، وقد اختص الله لنفسه بأمر الحكم على الناس جميعاً، فهو الذي يحكم بينهم كما قال في كتابه الكريم: «ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون».

إن ثقافة الحوار وتبادل وجهات النظر بين الناس والأمم والشعوب، تعلمنا احتمال الآخر، وتنير لنا طرقاً للمعرفة والفهم، وتدربنا على تجاوز الغضب لذواتنا والانتصار للحق والحقيقة، كما تعصمنا من تدمير أنفسنا والآخرين، فكل الحروب والحملات التدميرية وحروب الكراهية والاجتثاث والتطهير عبر التاريخ، قامت على أساس كراهية الآخر، والرغبة في تدميره؛ لعدم الإيمان أساساً بحقه في الحياة والوجود!

لذلك فإن المجتمعات التي يتحاور الناس فيها كمظهر حياتي واجتماعي ثابت ومكفول، هي أكثر المجتمعات إبداعاً وتقدماً، أما حيث تسود ظاهرة محاربة الاختلافات ووجهات النظر باعتبارهما كلاماً فارغاً وأقرب إلى وسوسات الشياطين على الناس اجتنابها، فإن البديل بلا شك هو الجمود وشيوع الخوف وتراجع كل أشكال الإبداع والحرية والكرامة، فماذا تكسب الإنسانية بذلك!

 

Email