أشياء لا تفسير لها!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يكتب الأمريكي بول أوستر في كتابه «اختراع العزلة» واصفاً والده ولحظة موته الصادمة، تلك اللحظة الأكثر صعوبة من بين كل ما مر به في حياته فيقول: (يحدث في أحد الأيام أن تعثر في الحياة أمامك على رجل في أفضل صحة، ليس مسناً على الإطلاق، ولم يعرف الأمراض يوماً، يبدو له أن كل شيء حوله باقٍ على حاله، يمضي من يوم إلى آخر، معتنياً بشؤونه الخاصة، حالماً بالحياة الممتدة أمامه دون نهاية، وبشكل مباغت يتعثر بالموت، فتصدر عنه تنهيدة صغيرة، ثم ينهار على مقعده، إنه الموت!).

في مقابل نص شديد التكثيف ومشحون بالعاطفة والرفض لفكرة الموت المباغت للأب كهذا النص، يمكن بالطريقة ذاتها أن يتعثر أي شخص منا بفكرة أو بمعنى مناقض للموت، كأن يتعثر أحدنا بالحب مثلاً، ألا يحدث الحب بالطريقة ذاتها؟ يباغتك ويجعلك تنهار وتسقط عند أول فكرة أو أول سؤال، فاتحاً في رأسك ثقباً، تتناسل منه عشرات الأسئلة دون أن يمنحك أي إجابة، إنه يغرقك فيه مفترضاً أن هذا الغرق هو الإجابة الوحيدة!

هذا ما يحدث بالضبط، حيث يباغتنا الحب على غير انتظار، وحيث نكون في أبعد نقطة عنه، ويكون هو أبعد عن محيط تفكيرنا، ربما نكون في حالة من الهشاشة هي التي تتيح لأي شيء أن ينال منا أو يخترقنا، فيضربنا ويربكنا، كما يفعل الفراق والموت وأشياء أخرى، يكون لها كما قال المتنبي: وقع السهام ونزعهن أليم!

إذا أعدنا تأمل الموروث الإنساني في ما يخص الحب، وأنصتنا لأسئلته بقلوبنا لا بعقولنا فماذا نجد؟ حين دخلت بيت جولييت أربكتني تلك الشرفة العالية جداً، التي لطالما أقنعنا شكسبير أنها كانت تسامر روميو منها، وأن هذا العاشق المتيم كان يقف أسفلها يبثها لواعج قلبه، ففكرت طويلاً في فكرة البعد والفراق التي حكمت أولئك العشاق، وتصدرت قصائدهم وحكاياتهم!

إن الذين يحفرون تحت جذر العاطفة، أو أولئك المتلصصون على الحكايات، كلهم وجميعنا نبحث عن إجابات مقنعة لكنها غائرة في قلب الحكاية، وفي التفاصيل، كيف كانت دفقة الحب الأولى؟ لماذا هي تحديداً ولماذا هو على وجه الخصوص؟ ويظلون يبحثون عن الأسباب والتوصيفات، ثم يجدون الإجابات كلها في جملة: إن المحبة لا تفسير لها كالحياة والموت وأشياء أخرى!

 

Email