إنهم أبناء الحياة والمفاجآت!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ابنة أخي شابة مفعمة بالإصرار على المعرفة: المعرفة كدراسة، ومعرفة العالم واكتشافه، تحب التجربة ولا تكتفي بما هو متوافر بالقرب منها، تسأل كثيراً ومنذ صغرها لديها شغف الأسئلة والتفتيش في أركان البيت وتحديداً غرفة والدتي، في طفولتها الباكرة وعندما يدعوها والداها لتناول العشاء معهما كانت ترفض بإصرار غريب، مصرة على أنها تريد أن تتعشى مع جدتها لأن الطاولة عندها فيها أطباق ومأكولات أكثر، كانت سريعة الانتباه للتفاصيل!

اليوم وبعد أن تخرجت من الجامعة واشتغلت لسبعة أعوام، قررت استكمال دراساتها العليا بالاعتماد على نفسها والإنفاق على دراستها، تقول ذلك بهدوء واقتناع، وبأن والديها غير ملزمين بالصرف على خياراتها غير الإلزامية، وهي إلى جانب ذلك شخص مستقل ومعتمد على نفسه وشديد الانتماء لعائلته ومحبة لتقديم المساعدة لمن يطلب، لكنها معتدة بحريتها وشخصيتها وخياراتها وخاصة حين يتعلق الأمر بأصدقائها واكتشاف العالم.

يظهر حبها للتجربة والتجريب في تفضيلها الذهاب لأماكن بعيدة ومختلفة عن الآخرين، تجربة الأطعمة والمأكولات الغريبة وغير المعتادة، ذوقها الخاص جداً في ملابسها وعطرها، وأنها دائماً ما تشرب القهوة التركية بدون سكر، فاستنكرت والدتها طعم المرارة في فنجانها، فأطمئنها بأنه كلما قل السكر في القهوة كان ذلك دليلاً على الذكاء! فتبتسم الأم والابنة معاً.

قلت لها في آخر لقاء جمعني بها على الإفطار عندما جاءت للسلام عليّ قبل سفرها، هل شاهدت فيلم جوليا روبرتس الأخير؟ لم تشاهده لانشغالها في كوب 28. والدتها لا تحب الأفلام، قلت لها إن الأفلام ثقافة من نوع خاص لا يحبها إلا نمط معين من الناس، وافقتني، ثم أكملت: الفيلم الجميل يشبه الفاصلة التي توضع في مكانها الصحيح بين جملتين، لتفك الاشتباك بينهما بكثير من الهدوء، الفيلم يمكنه أن يفصل بين انشغال وآخر، فينقلنا لعالم آخر خالٍ من الأحزان والهموم والنكد والتفاهات.

لا يجب أن يشبهنا أبناؤنا حين يكبرون، ولا أن ينحازوا لاختياراتنا، لكنهم حين يحظون برعاية الأسرة وتفهمها، يفاجئوننا بشكل لا نتوقعه حين يكبرون.

Email