النوم في حقل الكرز

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول سعيد نيسين، (آه، لولا الطغاة لكان أبي الآن نائماً في قبر كقبر السيد ياكوب (جاره النرويجي) ولربما تحول إلى نخلة شاهقة أو شجرة سدر وارفة الأغصان)، وسعيد هو مهاجر عراقي هاجر إلى أقصى بلاد الدنيا هرباً من بطش الأجهزة الأمنية في بلاده، بسبب نكتة تافهة، تفوه بها أمام أحد كتبة التقارير دون أن يعلم، فكانت النتيجة وشاية مدمرة قادت لمطاردات طويلة انتهت يوم باعت أم سعيد ماكينة الخياطة «سنجر» التي تعتاش بالعمل عليها، لتوفر لابنها ثمن جواز مزور يهرب به وتذكرة سفر تحمله بعيداً عن العراق!

تكون الحياة ظالمة وغير منطقية، حين تدفع مواطناً بريئاً لمغادرة وطنه حفاظاً على حياته لسبب تافه، وليتحول هناك وفي أرض غريبة، إلى مجرد رقم، لحين أن يثبت جدارته كمهاجر شرعي، يليق به أن يصبح مواطناً يحمل جنسية ذلك البلد، وليقطع تالياً صلته بوطنه الأم وجذوره وذاكرته، لكن الأكثر قسوة حين تكون هجرته وعذاباته لأجل أن يحظى بميتة وقبر يحمل شاهدة عليها اسمه، فيعيش آمناً ويموت مطمئناً، كما تروي لنا أحداث رواية (النوم في حقل الكرز) للروائي العراقي (أزهر جرجيس).

إن من أكثر المفارقات التي يصر الروائيون العراقيون جميعهم، على إثباتها في مدونتهم السردية الروائية التي تتناول سرد المأساة العراقية، هي أن تلك المصائر التراجيدية التي انتهى إليها معظم المغتربين في جهات الأرض إنما حدثت لأسباب تافهة وغير منطقية أبداً، وشايات، وخلافات طائفية، واشتباهات قائمة على الجهل والغباء والجشع، مفارقات جزت عنق الصلة بين المهاجرين وبلدانهم، محولة أساتذة جامعات إلى سائقي سيارات أجرة وموزعي بريد، في بلدان غاطسة في بحيرات من الجليد!

وكأن سعيد بطل النوم في حقل الكرز يقول: لا أريد العودة لوطن يقتلني لأسباب طائفية، ويطردني لنكتة سخيفة ووشاية حاقدة، فأكون مخيراً بين الموت برصاصة على قارعة الطريق، أو ممزق إلى أشلاء وأنا أشرب كأس عصير رمان عند بائع العصير في الكرادة. سأهاجر لأرقد بأمان في حقل الكرز، سأهاجر لأحظى بميتة لائقة!

Email