أيام وسيناريوهات

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال ذاكرتي تحتفظ بالعديد من القصص والقصائد والنصوص الأدبية، مما تعلمته في مادة الأدب العربي والمطالعة منذ أيام المراهقة والدراسة الثانوية، ومن هذه الذاكرة يمكنني أن أستل حكاية الملك العربي النعمان بن المنذر، والتي لا يزال عنوانها الذي يتوسط صفحة كتاب اللغة العربية صامداً في الذاكرة، يوم سعد النعمان! أكاد أجزم الآن أن كثيرين منكم ستنتعش ذاكرتهم ويستعيدون الحكاية!

والحكاية في مغزاها النهائي درس أخلاقي كبير في معنى النبل والشهامة، والتضحية بالروح في سبيل أن يلتزم الرجل بكلمته ويفي بوعده، وهي درس لم يبارح ذاكرتي في مدى شراسة السلطة عندما تستخدم بلا ضوابط، فالنعمان يتسامح ويبدو كريماً معطاءً، يطلق أسيراً عنده، ويتركه يذهب أياماً لشأنه، يكفي أن يكفله رجل آخر بكلمة، لأن الأمر يحدث في يوم يسميه يوم سعد النعمان، لكنه في يوم نحسه أو تعاسته، يصبح شخصاً آخر، لا يسامح ولا يتسامح ولا يغفر، فالحياة عنده يومان: يوم سعد ويوم نحس!

تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع الشأن الفلسطيني، وأرى كيف آلت الأمور بعد 50 يوماً من القتال والدمار، بمجموعة رهائن يتم تبادلهم بمجموعة من الأسرى والأسيرات الفلسطينيات، فتساءلت: كيف يقرأ نتنياهو تحديداً هذه النهاية غير المتوقعة يا ترى؟ هل تمثل له نهاية منتصرة، أم أنها كأيام النعمان النحسات؟ هل كان يتخيل أن تنتهي الحرب بصفقة تبادل أسرى يجريها الوسطاء، بينما يعزز هو ثقته بنفسه عبر طرح سيناريوهات ليست في يده أصلاً حول إدارة غزة بعد انتهاء الحرب، والتي من الجلي أنها لم تنته بعد لصالح أي طرف عسكرياً؟ خاصة بعد الخلافات الحادة حول إدارة غزة مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

وكلما ظهر وجهه على الشاشات تذكرت يوم تعس النعمان، فلا أظن أنه حتى في أكثر أحلامه بؤساً كان يتخيل أن ينتهي الأمر بهذه النهاية التي تلوح فيها بنات إسرائيل للفلسطينيين بالطريقة التي تابعها العالم بأسره، لكنها الحياة كما قال شاعر الأندلس قديماً: (من سره زمن ساءته أزمان)!

 

Email