السعي للحضور الإنساني!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس الجوع للشهرة فقط هو ما يدفع الناس لجنون السوشال ميديا، لكنه السعي لأن يكونوا حاضرين، غير مغيبين، محسوسين ومعترفاً بوجودهم، لأن يكونوا مرئيين كبشر بحاجة لما هو أكثر من الطعام والشراب والذهاب للتسوق أو للمدرسة وقول (نعم) لكل أمر يوجّهه لهم المعلم، لذلك فالسعي للشهرة هو الطريق الأكثر اختصاراً المؤدي لإجبار الآخرين على التوقف عند كل صفحة وكل قول أو فعل، حتى لو كان تافهاً كقلامة أظفر، أو مرفوضاً، أو معيباً جداً.

كل هذا الهراء الذي نراه ليس جوعاً خالصاً للشهرة فقط، بقدر ما هو سعي للاعتراف كذلك! لا يريدوننا أن نعترف بهم، فهم ليسوا دولاً عظمى ولا حتى صغرى، وهم ليسوا منظمة دولية، مهمتها إغاثة الشعوب المنكوبة، هم يريدون الاعتراف بهم كائنات لديها رغبات واحتياجات تتغير وتتعاظم باستمرار كما يقول عالم النفس (أبراهام ماسلو) صاحب نظرية (تدرج الحاجات) المتاحة على الشبكة!

أنا أيضاً أريد أن أتحدث معك، أن تسمعني، لن أقول شيئاً خطيراً، ولن أقدم اكتشافاً أو اختراعاً، ولن أعترف بشيء، فليس لدي ما أخفيه، كل ما لدي تراقبه الخوارزميات المبثوثة في كل التكنولوجيا التي نستخدمها جميعاً، والتي تفاجئني أنا شخصياً بمعرفتها ما يدور في ذهني عن: أطعمتي المفضلة، أنواع ثيابي، الكراسي التي أحب أن أقتنيها للحديقة أو غرفة الطعام، رواياتي المفضلة، المدن التي أود السفر إليها، ألوان الخزفيات الصينية المغرمة بها... هذه كلها مرصودة، لكنني أريد أن تسمعني لأمر مختلف!

فأنا لا أريد أن أضع أوجاعي ومسراتي، وكل أفكاري وغضبي، وألوان أسرتي، وصور عائلتي وأسلافي وأطفالي، وألوان معاطفي وأزرار قمصاني وأمشاطي وكل حياتي.. على مواقع التواصل حتى لا أنفجر، هذا أمر مثير للغضب وللجنون والتفاهة، لكن الذين يرتكبون ذلك أمام الجميع بذلك الاندفاع واللامبالاة نصفهم حمقى ربما، لكن النصف الآخر كانوا مجبرين، كانوا بحاجة لمن يسمعهم، ويعترف بوجودهم، لكن أحداً لم يفعل، فاندفعوا للهاوية!

Email