الأدب الخطير!

ت + ت - الحجم الطبيعي

خوان خوسيه مياس، أديب وروائي وقاصّ إسباني من مواليد العام 1946، يصنف باعتباره واحداً من أهم كتّاب الأدب الإسباني المعاصر، كان شاهداً على أحلك فترات إسبانيا عندما وقعت تحت حكم الديكتاتور فرانكو، ولمدة 30 عاماً، لكنه حين كتب الرواية رفض أن يحولها إلى وثيقة إدانة تاريخية تؤرخ لحقبة تاريخيّة معينة كغيره من الكتاب الذين تورطوا في هذا الفخ!

والفخ هو عدم الالتزام بهدف الأدب الذي وجدت الرواية لتحققه، فالرواية تختلف جذرياً عن كتاب التاريخ، والروائي ليس مؤرخاً ولا مصوراً فوتوغرافياً، لذلك لم يكتب روايات تحكي ما حدث في تلك السنوات الحالكة، لأنه كان يقظاً تماماً لمقدار الخطأ الذي وقع فيه عدد من معاصريه من الروائيين، ممن حولوا أنفسهم إلى كتاب تاريخ!

الأدب عند خوان خوسيه مياس ليس سرداً تفصيلياً للواقع بقدر ما هو تقديم واقع موازٍ باستخدام اللغة والخيال، فبدون اللغة والخيال ينتفي وجود الأدب تماماً، نحن نكتب أدباً على صورة قصص تفلسف الحياة والواقع عبر شخوص وعوالم وحبكات تسبر أغوار نفوسهم وتفكك ذاكرتهم، وما مروا به وما أثر فيهم، لكن الانتصار في نهاية الأمر للأدب الخالص وما على القارئ إلا أن يفهم ويقرأ ما بين السطور!

هذه وجهة نظر، قد يختلف معه فيها البعض، لكن بلا أدنى شك وبلا كثير جدال، فالأدب فن خطير الأثر في القارئ، وهو فن ممتع يقرأ للمتعة وللفائدة وشحذ الخيال وخلق الوعي ومضاعفة مستوياته، عبر أدباء عظام ولغة فخمة ذات معايير قياسية تتيح للأديب أن يقول في عشرات الصفحات ما يحتاج المؤرخ لمجلدات كي يصفه ويشرح تفاصيله ويقنع الناس بحدوثه فعلاً!

هذا هو سر الأدب، إنه يقنعك بنعومة شديدة، لذلك فالسلطة الرقابية الرسمية تتوجس خيفة من الروايات رغم أن الكثيرين يقللون من أهميتها وجدوى قراءتها، أفرأيت سلطة تصادر كتاباً في التاريخ أو كتاباً تافهاً أو بلا قيمة؟ الروايات منذ اخترعت وهي قنابل خطيرة تقدم على شكل قطع حلوى ملونة لا تنفجر إلا في عقل القارئ الفطن!

Email