الأوهام أكثر من الحقائق

ت + ت - الحجم الطبيعي

نندهش، وقد يتملكنا الحزن لبعض الوقت، ثم ينتهي ذلك الحزن بحالة من الندم العميق، والتفكير في التجربة أو الموقف بشيء من الشجن! كيف فاتنا أن نعرف الوجه الحقيقي لذلك الشخص الذي اعتبرناه صديقاً ؟ كيف مر كل ذلك الوقت ولم يسعفنا ذكاؤنا في اكتشاف حقيقته؟ ثم نجلس لنفضفض أو نثرثر مع أهل الثقة ممن نعرف، فنجدنا نعرج على نفس الحكاية أو الشخص، فنعيد حكايته، كأننا نضمد جرحنا أو نخفف وقع التجربة علينا، حين نسمع شيئاً من المواساة يبرئنا من عدم الفطنة، باعتبار أن الحياة مليئة بهكذا أشخاص!

للأشخاص حولنا وجوه عدة وليس وجهاً واحداً، وعادة ما يحتفظ الناس في دواخلهم بجزء خفي، سري، لا يفصحون عنه عادة حتى لأقرب أصدقائهم، فبعد كل شيء يمر جميع الناس في حياتهم بظروف كثيرة، قاسية ومعقدة، ولا يد لهم فيها، بعض تلك الظروف يترك ندبة يخجلون هم أنفسهم من تذكرها، لذلك يطمرونها خلف تلك الأقنعة التي يرتدونها.

أكثر من وجه للبشر الذين يمرون في حياتنا، والذين نعرفهم أو نتعامل معهم بحميمية، لذلك تصيبنا الدهشة أحياناً، لأن وجهاً آخر يظهر لنا بشكل مفاجئ لم نكن نتوقعه، لماذا؟ ربما لأنهم أعادوا حساباتهم فقرروا مجاهرتك بحقيقتهم، وكأنهم ينفضون أيديهم من العلاقة، أو لأنهم ملّوا تقلبات مزاجك وطباعك، وأحياناً لأنهم تغيروا، لم يعودوا هم أنفسهم الذين عرفتهم منذ عدة سنوات! فإذا تساءلت: هل يتغير الناس؟ أقول لك: نعم، فالناس لا يفعلون شيئاً أكثر من ذلك!

في أول الطريق نكون خفافاً كغيم أبيض، بلا تجارب ولا نوايا، ثم يمتلئ طريقنا بالبشر والأصدقاء، والعابرين وأصحاب الأقنعة، عندها تبدأ الحياة في تقديم ما يكفي من الأدلة لنا على أن الناس ليسوا كلهم كما يظهرون، وليسوا كما يتكلمون، وليسوا طيبين بالمطلق، وأن هناك الكثير من التصورات والأوهام أكثر من الحقائق، وأن هناك فرقاً بين ما نعتقد أو نرغب، وبين الحقيقة فعلاً.

Email