تعددية الوزيرة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقال إن مقال رأي نشرته وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان قد تسبب في إقالتها من منصبها على يد رئيس الوزراء البريطاني ذي الأصول الهندية ريشي سوناك منتصف الشهر الجاري، على خلفية تفاقم الأوضاع في غزة وانعكاساتها على الداخل البريطاني، والتي كانت إقالة الوزيرة إحدى ارتداداتها.

في الحقيقة لطالما كان لدى سويلا تحفظات حادة تتعلق بالأجانب والمهاجرين المتسللين عبر القنال الإنجليزي قادمين من فرنسا، حيث ترى فيهم تهديداً لقيم المجتمع البريطاني، وذلك لعجزهم عن أن يصبحوا جزءاً من هذا المجتمع، وهنا فإن المقال الذي وجهت فيه سويلا اتهاماتها للشرطة البريطانية بالتحيز للتظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وبازدواجية المعايير، وذلك بسبب رفض الشرطة حظر التظاهرات كان جزءاً من موقف الوزيرة المتشدد.

وقبل نشرها ذلك المقال، كانت الوزيرة قد قالت أمام معهد «أمريكان إنتربرايز»، في العاصمة الأمريكية واشنطن: إن التعددية الثقافية في بريطانيا قد فشلت لأنها لم تفرض على الوافد الاندماج في المجتمع فظل يحتفظ بثقافته وأفكاره وقناعته ويتخذ مواقف مضادة لمصالح بريطانيا! فما هي التعددية الثقافية التي قصدتها الوزيرة السابقة؟

التعددية الثقافية هي عملية تعايش عدد مختلف من الثقافات مع بعضها البعض في المجتمع ذاته، بطريقة تجعل كلّ طرفٍ يحترم ثقافة الآخر ويقدّرها، وتجعل هذا الطرف يحظى بكامل حقوقه وفق انتمائه للمجتمع ووفق ما يكفله له الدستور! وعليه فهل فشلت دعاوى التعددية في بريطانيا في منح الوزيرة حقوقها مثلاً أو جعلها تتمتع بكافة حقوقها؟

الخلافات السياسية معقدة ومتشابكة، والسياسيون يخوضون عادة معاركهم على أرضية الأفكار والقضايا الاجتماعية، لكن بريطانيا واحدة من المجتمعات التي تتمتع بعراقة حقيقية فيما يخص التعددية والتعايش السلمي بين الثقافات، وحالة الوزيرة السابقة خير مثال، فهي تعبر شخصياً وعائلياً وبوضوح عن حالة متقدمة من التعددية الثقافية الناجحة جداً، فهي ابنة لوالد كيني وأم من موريشيوس، وكلاهما من أصول هندية، هاجرا إلى بريطانيا مطلع الستينيات، الوالد مسيحي والأم هندوسية، بينما اختارت الابنة التي ستصبح أول وزيرة داخلية بريطانية من أصل هندي أن تكون بوذية وتكمل دراساتها العليا في جامعة السربون بباريس، وتتزوج برجل أعمال يهودي!

Email