بحثاً عن جزيرة مجهولة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

للحظة تشعر برغبة في الاختباء أو الاختفاء ربما، رغبة مؤكدة في الصمت الذي لا تسمع فيه شيئاً ولا تقول شيئاً في المقابل، لأن الكلام كله صار بلا معنى وبلا قيمة، وحده الكلام الذي يمكن أن ينقر فتحة في جدار الظلام هو الذي يستحق أن ينتبه له، لكنك لا تعرف من يمكن أن يقول كلاماً ذا قيمة وسط هذا الاضطراب الكبير؟

في الحقيقة أنت كذلك الشاعر وتلك المرأة الهشة وذاك الطفل، تشعر برغبة ملحة للذهاب إلى جزيرة كريدو التي اختلقتها الشاعرة الكورية (كيم سينغ هي) في ديوانها «الأمل وحيداً» لتهرب إليها عندما تكاثف حزنها في لحظات اليأس التي مرت بها وهي ترقب هروب الحياة من عيني زوجها طريح المستشفى. فعلى سلم ذلك المستشفى جلست بين دموعها ورغبتها في الفرار من الحزن، ليخترع ذهنها جزيرة المفارقة، التي يمكن للإنسان أن يحتمي بها وهو يسقط من بين ثقوب الحزن واليأس لتتلقفه جزيرة الأمل والأمان والمحبة!

إن البحث عن جزيرة خيالية، هو معادل طبيعي لفكرة الهروب والاختباء في مكان لا يعرفه غيرنا ولا يعرفنا فيه أحد، ولطالما سمعت أمي وأنا صغيرة تقول في لحظات إحباطها وتعبها (من يأخذني لجزيرة لا يعرفني فيها أحد ولا يصل إلي مخلوق)! إنه البحث عن مكان منسي يمنحك الأمان والسلام، فالشعور بأنك شخص بعيد عن كل أحد وكل شيء، شعور لا يقاس ولا يقدر، إنه شعور أشبه بالمستحيل، حين تجد نفسك كائناً غير مرئي وغير محسوس وغير مراقب وغير مساءل!

وكأنك كائن يمر محاذياً سور العالم على أطراف أصابعه فلا يثير فضول أحد حتى وإن كان قطة، ولا تندلق عليه النظرات كلعاب قذر، ولا تطوقه ثرثرة القيل والقال، مكان يشعرك بالبهجة كونك وحيداً ولا شيء يثير مخاوفك، أو قلقك، مكان تشعر فيه بالراحة التامة، وإن بدت مؤقتة، فأنت تعرف بأن أي راحة هي مؤقتة في نهاية المطاف.

Email