الشاعرة ومدينتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

جمعتني الظروف في شهر يونيو الماضي بالشاعرة الكورية الشهيرة (كيم سينغ هي) أثناء مشاركتي في معرض سيول الدولي للكتاب، حيث تعتبر الشاعرة «كيم» الأم الروحية لشاعرات المستقبل، لكن النقاد غالباً ما يوجهون لها نقداً قاسياً، حين يصفون لغتها بالمتطرفة، بسبب نقدها الحاد لأطر ومظاهر الحداثة والحضارة الرأسمالية في مدينة سيول الحديثة، التي لا تقيم وزناً لاحتياجات الإنسان البسيط، والعامل الفقير، والمرأة تحديداً التي تتعرض للكثير من الأذى، ما يجعلها مدينة قاسية ومضادة للحياة، والإنسان من وجهة نظرها!

إن هذه الشاعرة، رغم تقدمها في العمر، إلا أنها ككل الشعراء، لديها حساسية نفسية عالية وهشاشة في مواجهة قسوة الأمكنة، كما أن لديها موقفاً مضاداً من مظاهر الرأسمالية تعبر عنه في كل قصائدها.

إنها، لم تخترع مدينة من الخيال لتوجه لها نقدها الشديد، بل اتخذت من مدينة سيول مكاناً تدين من خلالها مرارة هذا العالم وقبحه وبحثها الدؤوب عن الأمل في كل شيء، لأنها ترى أن مدن الحداثة هي في الحقيقة مدن مضادة للإنسان، الذي لا يتطلب كل هذه المظاهر الفاقعة من البناءات والصناعات والأموال بقدر احتياجه للطبيعة والأمان والحب والحقوق، وعليه فقد اخترعت في ديوانها «الأمل وحيداً» والذي ترجم للعربية، جزيرة أسمتها «جزيرة كريدو» ورسمت فيها الشكل الإنساني للحياة والمكان الذي تحلم بالعيش فيه.

وفي الوقت الذي يهرب الكثير من أدباء العالم من نقد واقعهم تخوفاً أو تحرجاً ربما، وحرصاً على عدم الاصطدام مع النقاد والقراء، كي يضمنوا تواجدهم وحضورهم في الساحة الأدبية وانجذاب الجمهور لهم، فإن هذه الشاعرة لا تهرب أبداً، إنها وبرغم هدوئها الشديد وابتسامتها الدائمة، لا تهرب من حكايتها ولا من مدينتها التي تراها رمزاً للكآبة وسبباً من أسباب الإحباط والفشل والصراعات والانتحار، وهي بذلك تعبر عن إدانتها لمظاهر الرأسمالية الفجة وتأثيراتها على الإنسان أكثر من كونها تعبر عن كراهيتها أو نفورها من مدينتها التي لم تغادرها أو لم تفكر في مغادرتها يوماً.

 

Email