من أفشلَ مؤسسة الزواج!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أدري فيمَ إذا كان الذين يطلقون هذه العبارات الخطيرة، يسمعون أنفسهم جيداً حين يتحدثون أم لا، كهذا الذي يجلس واضعاً ساقاً على الأخرى ليقول لمحدثه: أعتقد أن الزواج ليس سوى مؤسسة فاشلة، وانظر إلى نسب الطلاق كيف تتزايد لتعرف صحة نظرتي، وإلى الأزواج كم هم تعساء، وإلى البيوت التي ما عادت توفر لأصحابها الحب والأمان، وإلى الأبناء الذين يهربون من بيوت أهلهم كما يهرب الوالدان تماماً! فما الحل أيها العبقري؟ يقول: لا بد من إلغاء هذه المؤسسة الفاشلة!

لكننا إذا استعرنا هذا المنطق الأحمق فإننا سنقول: إن المدرسة والجامعة ليستا سوى مؤسسات فاشلة وعلينا التخلص منهما، ألا ترون إلى الطلاب الفاشلين والذين لا يحققون فيها طموحاتهم، ولا يجدون بعد تخرجهم أعمالاً ووظائف بعد تخرجهم، ولا يستفيدون من دراستهم في شيء! وأن مؤسسات العمل فاشلة وعلينا القضاء عليها للأسباب ذاتها و.. هكذا! فأي منطق وأي تفكير هذا!

كيف يكون الزواج مؤسسة فاشلة، برغم ما يحظى به من اعتياد عظيم ونظرة أقرب للقداسة كرباط يؤسس لأسرة قوامها التكافؤ والمودة والرحمة، هذا الزواج هو الذي يضمن استمرار الجنس البشري، أولاً كواحدة من وظائف الزواج الحيوية، ومن ثم العمل على استمرار منظومات القيم والتربية وانتقال التقاليد الإنسانية الخاصة بكل جماعة إنسانية عبر الأجيال والعقود والسنوات.

إن هذه الأجيال التي تحمل قيم مجتمعاتها، محتفظين بقوانين حياة منتظمة، وفق تقاليد وأسس يتحركون بها في حياتهم كما في محيطهم، وبيئة العمل التي ينتمون إليها والعلاقات التي يعيشونها، هؤلاء لم يأتوا من الشارع أو من الفراغ، بل خرجوا من بيوت وأسر تلقوا فيها تعاليم التربية والمثل والقيم والأخلاق، وعلى أيدي آباء وأمهات وأجداد كانوا يعرفون واجباتهم ومسؤولياتهم جيداً برغم قلة التعليم والإمكانات، لكنه الوعي والتربية.

لماذا لم تفشل مؤسسة الزواج زمن الآباء والأجداد؟ لماذا لم تتفاقم حالات الطلاق بينهم؟ لماذا لم يتحدثوا عن خلافاتهم وخياناتهم ومشاكلهم وينشروها على الملأ؟ لماذا كان كل ذلك الحرص والوعي والتأدب رغم الفارق الشاسع بين الأمس واليوم في كل شيء؟

Email