فنجان قهوة..

ت + ت - الحجم الطبيعي

للقهوة تاريخ لا يخلو من الأهمية، والاهتمام الغامض بحباتها الخضراء التي تقطف من مناطق ومناخات بعيدة، ومن ثم تحمص وتطحن وتغلى وتقدم شراباً ساخناً.. هذا الشراب المغلي ذو الرائحة المنبهة والطعم الذي لا ينسى والأثر المتغلغل في الذهن، إذا تتبعنا خط سيره على خرائط العالم، لهالتنا كمية الحكايات والمعلومات التي ترويها الكتب والرواة حوله، وحول اكتشافه وظهوره للمرة الأولى!

لأمي حكايتها مع القهوة، ولجدي حكايته وقهوته الخاصة، وللعرب حكايتهم وفضل الريادة ومركز الصدارة مع القهوة كما مع أشياء كثيرة كانوا روادها ومخترعيها، فقد انتقلت قهوة (مخا) من اليمن إلى أوروبا، وهناك أصبحت (موكا) على جري ألسنة الأجانب. ومن الموكا خرجت أصناف وأسماء وتأسست محلات ومقاهٍ ودور تبيع القهوة للناس، في لندن وإيطاليا وإسطنبول، ويوماً إثر آخر تحول منقوع البذور المنبهة اللذيذ إلى شراب الخاصة والعامة والعباد والزهاد والأمراء!

منذ قرابة العامين كنت أقضي الصيف في إحدى المدن التركية، وهناك اعتدت على الجلوس صباحاً في المقهى التابع للفندق وتناول القهوة، بعد عدة أيام بدا كأنني أدمنتها، قبل أن أغادر إلى دبي اشتريت كمية من القهوة نفسها، وحين شارفت الكمية على النفاد أوصيت صديقتي التي في إسطنبول أن تجلب لي بعض العلب، وحين سافر ابن أخي أوصيته بالأمر نفسه، وبدا الأمر وكأنه أصبح مزعجاً بالفعل.

وكما اعتدنا منذ كارثة «كورونا»، لجأت إلى التسوق عن بُعد، اخترت موقع البيع، أجريت حواراً مكتوباً مع فريق البيع، طلبت الكمية ودفعت المبلغ، وصار فريق يخبرني بتحركات الشحنة القادمة من إسطنبول، بدا لي هذا السفر عبر الزمان والمكان إلى مكان بعيد جداً مربك جداً، شعرت بخفة الحصول على الأشياء وبسيلان الزمن بشكل مثير فعلاً.

فببساطة أصبحت تشتري حاجتك من هذه القهوة ومن الجراند بازار التركي دون أن تتكبد مشقة السفر، وكأنك تشتريها من محل خلف منزلك، في الوقت الذي تعرف أنك جلست ذات زمن في هذا السوق التركي العريق وعلى بعد آلاف الكيلومترات لتطلب ألذ فنجان قهوة!

Email