لماذا نهرب؟ "2-2"

ت + ت - الحجم الطبيعي

نهرب لأننا على درجة كبيرة من الهشاشة الداخلية تجعلنا لا نحتمل صعوبة العالم والظروف، ونهرب لأننا لا نعرف كيف نقوم بما يتوجب علينا، لأن جميع الطرق التي نعرفها تبدو مغلقة في وجوهنا، ونهرب لأن الواقع البديل الذي نهرب إليه أكثر راحة لأنفسنا وعقولنا وضمائرنا، ونهرب لأن الهروب مشروع غير مكلف، بل إنه مربح وضروري أحياناً!

إننا لا نحتاج إلى تنظير وثرثرة فارغة لكي نعرف بأن كثيرين يهربون فعلاً في المواقف الحاسمة لأن تلك طبيعتهم ولأنهم أشخاص يخافون من المجازفة، لذلك فالهروب هو الحل السحري للخلاص من الخوف من المسؤولية، الخوف من العواقب التي قد تنجم عن قرار مصيري كقرار الزواج (أعرف قصصاً عن أزواج اختفوا ليلة عرسهم)، قرار الانفصال، الإنجاب .. إلخ، فمجرد أن ينتبه البعض إلى أنهم وضعوا أنفسهم في زاوية صعبة جداً بهذا القرار يهربون دون تردد!

إن الأشخاص الذين لا يعرفون كيف يتحملون مسؤولياتهم لا يجدون أسهل من الهروب في الأوقات الحاسمة، حدثتني سيدة آسيوية تعمل مساعدة في صالون تجميل، بأنها وبعد مرور عام على زواجها، فوجئت بهروب زوجها من المنزل، تاركاً لها رسالة يقول فيها (ليس بإمكاني تحمل طفل في البيت، لا مادياً ولا معنوياً)، لقد غادر تاركاً زوجته وحيدة وفقيرة تواجه مصيرها صحبة طفلها، الذي صار اليوم في السابعة، بينما والدته تفعل كل ما يمكنها لتأمين حياته، ومثلها كثيرات في العالم!

ورغم النظرة الدونية والسلبية التي نرى بها هذا الهروب، هذا الانسحاب المقنن وغير المقنن من الواقع، من حياة الأسرة والزوجة والأبناء، من الصداقات والأصدقاء، ومن كل ما له علاقة بالالتزامات، والنكد، والمطالب، والابتزاز العاطفي الذي تمارسه عليك ابنتك أو ابنك أو والدتك، أو حتى الشغالة التي تهددك بأنها وجدت بيتاً آخر سيدفع لها أكثر، رغم كل ذلك، لك الحق أن تبحث لك عن ممر سري أو وقت مستقطع ييسر لك الهروب ولو لقليل من الزمن، فالحياة بكل هذه الجدية المسترسلة والمتتالية لا تطاق!

Email