إلى أين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتساءل كما يتساءل أغلب الناس اليوم: إلى أين يذهب هذا العالم بكل حمولته القاسية والثقيلة من العلاقات المتوترة، والمصالح الشائكة، وسط كل هذه العداءات والانقسامات والانفصامات التي طالت عمق المبادئ والأخلاق التي فقدت إنسانيتها، ولم تعد ترتكز على مرجعيات ثابتة كالمعتاد دائماً وتاريخياً، وإن في الحدود الدنيا؟!

لقد حلت القوة الغاشمة سلطة النفوذ محل الأخلاق والمواثيق، ومحل منظمات العمل والتعاون الدولي، وأصبح لا صوت يعلو فوق صوت القوة!

أصبحت المعايير اليوم رخوة جداً، وسائلة، وقابلة للتغير والتحول من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بحسب بوصلة المصالح والتحالفات، لا وفق منطق الحق والعدالة الذي أقرته الاتفاقيات، ومبادئ الثورات الكبرى في التاريخ الإنساني كالثورتين الفرنسية والأمريكية! وهو حال كارثي، لأن تضارب المصالح أمر ثابت ومدمر حين يتم الاحتكام له، ووحدها المعايير الإنسانية والعقلانية السياسية التي تحفظ توازنات العلاقات والخلافات والمصالح. لقد فقد العالم رشده وعقلانيته تماماً، فما هو وكيف يكون المخرج؟

كيف يمكن للشاب والمرأة وطالب الجامعة وتلميذة المدرسة، وأي إنسان عادي بسيط ينشد الهدوء والسلام والاستقرار، أن يستوعب كل هذه الازدواجية في المعايير والقياسات، وكيف يمكنهم الحكم على ما يرونه ويسمعونه ويتابعونه؟ خاصة حين تطلق يد القوة المدمرة لتقتل وتدمر وتبيد وتهجر، دون تمييز بين عسكري ومدني، وبين رجل وطفل، ثم تكون المناصرة والمؤازرة للأقوى والأكثر بطشاً! ماذا يفعل الضعيف إذن؟ كيف يعيش، كيف يستمر؟، من يضمن له أرضه وحقه وأمانه وحياته وعمله وطعامه وشرابه؟

إن آلاف الرسائل التي يتلقاها الناس عبر ماكينات صنع الأخبار وضخ الصور، وعبر المدونات ومواقع التواصل، تعرض عليهم الأخبار والشائعات معاً على القناة نفسها، كما تعرض المواقف ونقيضها، فيزدادون توتراً وتشويشاً، ويمتلئون بالخوف وعدم الثقة وبمشاعر الإحباط واليأس، وبلا شك فإن هذه المشاعر هي أكثر ما تقود إلى التوترات والقلاقل وعدم الاستقرار، علينا إذا أردنا أن نعيش بأمان أن نحتكم للعدالة والحق، فلا شيء كفل مصالح البشرية كالعدالة والحق.

Email