ما لا نقوله كما يجب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

معظم الكتّاب في الصحافة يكتبون عن كل شيء، لكنهم لا يكتبون عن تفاصيلهم الصغيرة والخاصة! لماذا؟ هل يظنون أن هذا ليس من حقهم؟ هل يخشون من عدم الترحيب بإفشاء أسرارهم، أو ربما يظنون أنها لن تثير اهتمام أحد من القراء؟! أظن أن كل ذلك ليس دقيقاً!

إن الناس في الأيام الشديدة الوطأة، كالتي يمر بها العالم اليوم، يختبرون مدى صلابتهم، كما يتلمسون درجة هشاشتهم كذلك، ينغمسون في الأخبار، أو تغمسهم محطات التلفزة في متوالية إخبارية لا نهاية لها؛ ما يحوّلهم في آخر النهار إلى شخوص منهكة أو مكتئبة وبلا أمل في السياسة والإنسانية، كلنا كهؤلاء نحتاج لكل ما يمكن أن ينتشلنا من دوائر الخوف، والهشاشة، والحزن، والحيرة، والأسئلة الوجودية المقلقة، نحتاج للتفاصيل التي تنعشنا، ترش على أرضنا الكثير من الماء لنزهر ونفرح ونضحك ونتماسك حول أمل يجدف بنا للغد.

لا نحتاج لمزيد من الكآبة والأوجاع وانكسار القلوب، بل لمن يمد يده إلينا فنمد له قلوبنا وأخبارنا وأفكارنا، نحتاج لأن نجلس معاً ونتحدث كثيراً، حديث المشاركة لا أحاديث (المناكفة)، نتحدث حول كل شيء إلا السياسة وأمريكا والصين وإسرائيل... لأننا تعبنا بما يكفي، نحتاج للثرثرة مع الأصدقاء حول مائدة الطعام عن أيامنا ومغامراتنا وأسفارنا، عن الكتب، عن خزعبلاتنا، وتوقنا وجنوننا وكسلنا وأنانيتنا وعصبيتنا، عنا كبشر عاديين جداً، عن الطيور والأطفال والأفلام التي نغير بها طعم الفجائع المتدفقة من الشاشات!

يعتقد الكتّاب أن عليهم دوماً أن يظهروا جديتهم وصرامتهم والتزامهم بالقضايا الكبرى ومصالح الآخرين، بينما لا أحد يلتفت لما يعانونه؛ لذلك عليهم أن يفعلوا ربما كما فعل جورج أوروبا، فحين ضاق ذرعاً بكل ما يحيط به في محيطه العائلي الأرستقراطي: التعالي على الآخرين، التظاهر بغير الحقيقة، السأم.. هجر عالمه وانضم للبسطاء، عاش عيشتهم، وجاع مثلهم، ودخل السجن معهم، وكتب تلك التجربة في كتاب له بعنوان «متشرداً في باريس ولندن»، مستخدماً اسماً مستعاراً، هو «جورج أورويل»، وهذا ليس اسمه الحقيقي!

 

Email