من يصنع ذائقة الناس؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء في مقال للكاتبة د. آيات الحداد نشر في صحيفة الأهرام المسائي في 19 - 06 - 2022، أن صحفياً سأل الكاتب ﻋﺒﺎﺱ محمود ﺍﻟﻌﻘﺎﺩ ذات مرة: من منكما أكثر شهرة، أنت أم محمود ﺷﻜﻮﻛﻮ؟ (وشكوكو هو مونولوجست هزلي مشهور)، فرﺩ عليه العقاد ﺑﺎﺳﺘﻐﺮﺍﺏ: «ومن هو ﺷﻜﻮﻛﻮ هذا؟!»، ولم يقل أكثر فلما وصلت القصة ﻟﺸﻜﻮﻛﻮ قال للصحفي ذاته: «قل لصاحبك العقاد أن ﻳﻨﺰﻝ لميدان ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ، ويقف على أحد الأرصفة وسأقف أنا على الرﺻﻴﻒ المقابل، ﻭلنرَ على من سيتجمع ﺍﻟﻨﺎﺱ»!

وهنا رد العقاد: «قولوا ﻟﺸﻜﻮﻛﻮ أن ﻳﻨﺰﻝ لميدان ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻭﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ الرﺻﻴﻒ ويجعل «راقصة» ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ الآخر ويرى ﺍﻟﻨﺎﺱ ستتجمع على من أكثر...»! عبارة العقاد هذه تحمل دلالات عميقة على جميع المستويات، وتحديداً على مستوى توجهات الذائقة الجماهيرية تجاه الفن والأدب، كما تطرح العبارة نفسها سؤالاً كبيراً عن دور الجماهير في صناعة الأجندة العامة للفن والأدب الذي يجب أن يسود في المجتمع. فالمهرج (شكوكو) كان واثقاً أن الناس ستتجمع عليه، والأديب (العقاد) كان واثقاً أنهم سيتجمعون على الراقصة (ربما أراد أن ينصف نفسه حين لم يجعله خياراً مفضلاً للجمهور)!

واضح من أحداث الحكاية التي بين أيدينا أن تجري بشكل غير رسمي فضاؤه الشارع والرصيف وأبطاله الفن والأدب والصحافة، فكيف تعامل ونظر كل منهما للآخر؟ وكيف قيّم كل طرف مكانة وتأثير الآخر؟ ثم لنتأمل دور الصحافة (الصحفي الذي كان يقوم بدور ناقل الكلام بطريقة الاستدراج والإثارة بين الأديب والمغني لإنتاج خبر أو قصة مثيرة لا أكثر).

ألا يقوم كثير من الإعلام بالدور نفسه اليوم وتحديداً إعلان السوشال ميديا والصحافة الصفراء لاستقطاب المتابعين والمعلنين؟ ألم تصبح السيادة اليوم للرداءة في الفن والأدب، وعلى يد ملايين من الجماهير التي ترى في الفن الرديء خياراً ترفيهياً لمقاومة الأدب والجاد والأخلاقي؟ ولأن التفضيل يعني الانتصار، فإن أعداداً بلا حصر من الجماهير اليوم لا تنتصر لأدب وفن القيم والقضايا والجمال، بقدر انتصارها وميلها للضحالة والتفاهة والرداءة، كما يقول الفيلسوف الفرنسي (آلان دونو) في كتابه نظام التفاهة!

 

Email