أدب لا يحرك الدمى!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في شتاء العام 1879 شهد المسرح الملكي الدنماركي في كوبنهاجن عرض مسرحية بيت الدمية للكاتب المسرحي هنريك إبسن، وبعد عرضها ثارت موجة جدل عارمة في المجتمع الدنماركي، لقد ظهرت المسرحية وكأنها دعوة مباشرة للمرأة في تلك السنوات البعيدة «منذ 144 عاماً تقريباً» للتمرد وترك بيتها وزوجها وأبنائها من أجل البحث عن ذاتها وحقوقها التي لم يكن المجتمع في ذلك الوقت يعترف بها أو حتى يقيم لها وزناً.

كان مشهد البطلة «نورا» وهي تغادر المنزل صافقة الباب خلفها مخلفة زوجها في حالة ذهول صادم للذهنية الذكورية التي اعتادت أن تكون المرجعية في الحكم والتقييم النهائي لسلوك المرأة وعلاقاتها ومجمل حركتها في المجتمع، لقد أطاح إبسن بمكانة هذه الذهنية ومرجعيتها، عندما جعل بطلته تحطم بيت الدمية وتتمرد على دور الدمية فيه.

تعرفت على هذه المسرحية من خلال مسلسل بعنوان «حول غرفتي» كانت بطلته تقرأ الروايات والكتب وهي طريحة الفراش، ثم قرأتها فترة الجامعة، وتلمست قوة الفكرة في مسرح إبسن، فحين نظر البعض للمسرحية باعتبارها صرخة باتجاه حقوق المرأة نفى الكاتب ذلك قائلاً: «لم أكتبها لهذا الغرض، لكنني أردت أن أرسم صورة واقعية لحياة الإنسان» ما يعني أن المسرحية لا تدور حول حقوق المرأة فقط، ولكن حول حاجة كل فرد للعثور على ذاته والسعي لفهم حقيقة هذه الذات وما نسعى له.

يبرز وجه هنريك إبسن ومسرحيته «منذ 144 عاماً» وأثر تلك المسرحية على حركة حقوق الإنسان في المجتمع، ونحن نتابع حيثيات حصول الكاتب النرويجي جون فوسه على جائزة نوبل للآداب 2023، دون أن يكون لأدبه أي أثر من أي نوع على النفس، ولا على سياقات التغيير لصالح أي أحد وأي شيء، فحين تحاول أن تقرأ له إحدى رواياته المترجمة، تجد نفسك لا تكمل عشر صفحات منها لرداءتها على صعيد الأثر والتفاعل. إن الجوائز الكبرى تذهب على ما يبدو للأدب المدجن الذي لا يثير المتاعب، لا ذلك الأدب الذي قال عنه كافكا: عليه «أن يكون كالفأس التي تحطم البحر المتجمد في داخلنا»!

Email