غوركي الذي كتب طفولتنا!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر الكتب التي تركت أثراً في نفسي، هو كتاب (طفولتي) للكاتب الروسي «مكسيم غوركي» صاحب كتاب (الأم) الشهير الذي مر بين أيدي معظمنا في سنوات المراهقة، والذي رسم فيه مشهداً كاملاً للاتحاد السوفييتي قبيل الثورة الشيوعية.

أما «طفولتي» وهو أحد الكتب النادرة التي ما زلت أحتفظ بها من سنوات بعيدة، فهو كتاب مذكرات تخص الكاتب نفسه، وينتمي لذلك النوع من الأدب الذي يتتبع تفاصيل حياة الإنسان في تلك السن المبكرة جداً، حيث تتفتح بدايات مدارك الطفل ومعارفه وعلاقاته بكل ما يحيط به في ظل رعاية أبوية تقوده من يده الصغيرة وتدله على ما يجب أن يعرف وما يجب أن يتجنب بحنو الأم وبصيرة الأب وبحرصٍ شديد من الجانبين.

في تلك السنوات المبكرة وجد غوركي نفسه يتيماً وبلا مأوى، وقد آلت حضانته إلى جده الذي اتسم بالقسوة في تعامله معه لسنوات لم يحظَ خلالها بالحياة الآدمية لطفل في مثل عمره، الأمر الذي دفعه للهرب إلى حياة الشارع، ليتقلب سنوات أخرى في أتون بؤس أشد وحرمان أكبر، ما جعله يقدم على الانتحار وهو في العشرين من عمره.

لم تنجح المحاولة، وقدر لغوركي أن يعيش، ويصبح واحداً من كبار كتاب الاتحاد السوفييتي، واعتبره النقاد الأب الروحي للأدب السوفييتي ومؤسس الواقعية الاشتراكية. إن كل الذين عاشوا بعيداً عن أسرهم لأي سبب كان يجدون خيطاً رفيعاً يجمعهم بهذا الكتاب، ولقد عشت جزءاً من طفولتي في بيت جدتي، فكنت وأنا اقرأ الكتاب أقول كما قالت فرجينيا وولف عندما قرأت (البحث عن الزمن الضائع) لمارسيل بروست: (يا إلهي ليتني أستطيع أن أكتب مثل هذا!).

ومع أنني لم أعش طفولة بائسة مع جدتي، ولم تكن جدتي رحمها الله قاسية كما جد غوركي، إلا أننا، وبعيداً عن أحضان أمهاتنا، لا نهنأ بما يجب ولا نحظى بذلك النور الحنون الذي يقودنا بدفء دون قسوة أو كلمات تترك شروخاً وندوباً في ذاكرتنا، لذلك أقول إن في الطفولة ما يستحق أن يحكى، فليتنا نقدر أن نفعل مثل مكسيم غوركي.

 
Email