السيطرة الناعمة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل الثقافة والفن والسينما والدراما التلفزيونية وكرة القدم وقيم المساعدات والإغاثة و... أذرعاً قوية لما صار العالم كله يعرفه باسم (القوة الناعمة)، والحقيقة أنه لا تضارب في المصطلح بين معناه وظاهره، لأن القوة بشكل عام هي كل وسيلة أو طريقة تستخدم للسيطرة والتأثير والجذب وجعل الآخرين في دائرة النفوذ لكن دون أذى أو إكراه أو عداء أو قتال، بل بمنتهى النعومة والسلاسة! تماماً كما تفعل الفكرة أو الصورة داخل الكتاب أو الفيلم والمسلسل، حيث تتسلل بنعومة إلى ذهنك ولا تغادره!

لقد أصدر جوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد عام 1990 كتاباً غيّر مفاهيم القوة واستخداماتها في النطاق الدولي، حمل هذا الكتاب عنوان (القوة الناعمة)، وهو المصطلح الذي استقر كواحد من أدوات الدبلوماسية في كل دول العالم، فتغيرت نظرة العالم للجيوش والقوة الغاشمة، خاصة بعد الصورة السيئة التي ظهر بها جنود الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وبالذات بعد ما تم تسريبه من صور بشعة من سجن بو غريب في العراق عام 2016!

لذلك اتخذت وزارة الدفاع الأمريكية قراراً بزيادة الإنفاق على الدبلوماسية، وتقديم المساعدة للدول، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، وآثر الرئيس أوباما الانسحاب من أفغانستان والعراق فالكلفة المادية كانت باهظة جداً، والمردود المعنوي بات يهدد مكانة القوة العظمى، وعليه فالأخلاق والحقوق والثقافة والفن والأفلام والرياضات الجماهيرية أفضل بكثير وأقرب لقلوب الناس حول العالم!

اليوم ونحن نتابع منصات الأفلام والدراما والبرامج الكثيرة، نستطيع القول بمنتهى الثقة إن إسبانيا تقود قاطرة الدراما التلفزيونية بقوة واحترافية، لا تنافسها سوى كوريا الجنوبية، هاتان الدولتان تسيطران اليوم على سوق الدراما ومن خلالها تسيطر على ذائقة وتوجهات أجيال وأعداد بلا حصر، تصنع لهم أجندات أسفارهم وكتبهم وأغانيهم ومراكز تسوقهم والتي تظهر من خلال هذه المسلسلات الإسبانية، بمعنى آخر فإن إسبانيا تبيع مسلسلاتها ومعه تروج لسياحتها ولكرة القدم فيها ومراكز التسوق والمتاحف و... بلا حروب ولا استعمار، بل بمجرد مسلسل مثل «سرقة بيت المال» الذي شاهده ملايين الناس حول العالم!

 

Email