حين نتحدث عن البساطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

راج في الأيام الماضية الحديث حول مفهوم البساطة، بعد أن تناقل الجميع صوراً لطيفة جداً لحفل زفاف أحد الأمراء، حيث ظهر الجميع بثياب غاية في الأناقة والذوق الرفيع، والأمر ليس غريباً إذا كنا نتحدث عن طبقة أمراء وملوك، لكن التركيز على مفهوم البساطة قد اتخذ لدى مشاهير أو نشطاء مواقع التواصل منحى مختلفاً، فبدوا وكأنهم يتعرفون على البساطة لأول مرة في حياتهم، لكثرة تكرار الحديث في الموضوع ولحماستهم المبالغة التي تذكّرنا بحماسهم المعروف تجاه قانون الطاقة والجذب والتنمية الذاتية. لقد أصبحت البساطة كمفهوم وأسلوب حياة من التوجهات التي تحظى باهتمام وتوق الناس مؤخراً ويسعى لها الجميع، لذلك يميل الكثيرون لما يبدو بسيطاً في ظاهره وغير معقد؛ الأثاث، الثياب، الطعام، أماكن السفر، المقتنيات الشخصية.. لأن التعقيدات التي تملأ حياتنا تدفعنا دفعاً نحو التخفف منها، ذهاباً باتجاه النقيض. لكن هل البسيط باهظ الثمن يعدّ بسيطاً بالفعل؟ وإن كان بسيطاً فبمعايير مَن بالضبط؟

إذا كنا نتحدث عن مقدرة شرائية والتزامات يفرضها واقع معين وانتماء لطبقة معينة فجميعنا نعلم أن لكل شخص في الحياة مقدرته الشرائية وذوقه اللذين يتحددان بمكانته وطبقته وممتلكاته، وهنا فإن الحديث عن البساطة لا بدّ أن يطرح بشكل مغاير، لا بطريقة المقارنات أو ما يشبه توجيه اللوم والاتهام لنساء بسيطات بالمعنى الحرفي للبساطة لأنهن لا يخترن ثياباً بسيطة تشبه ثياب الأميرات! والحقيقة أننا جميعاً بسطاء لكن كل بطريقته وعلى قدر إمكانياته!

إن البساطة التي وجدتها إحدى مشاهير السوشال ميديا، وجعلتها تمتدح بانبهار شديد تلك الثياب (البسيطة) الأنيقة، والبعيدة عن البهرجة والتكلف، وتقارنها بثياب النساء التي تراها في محيطها، داعية هؤلاء للاقتداء بذاك النمط الراقي العقلاني (البسيط)، نسيت أن تخبر آلاف المتابعات عن سعر تلك الثياب البسيطة؟ كما نسيت أن تعطينا تعريفاً تتسع له أذهاننا وتستوعبه عقولنا للبساطة عندما يعلن مصممو الأزياء أن أسعارهم تصل لملايين الدراهم لمثل هذه الثياب! فما هو المغزى من هذا التكرار الغريب للبساطة؟

Email