سائقان وعاملة نظافة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذاكرة تتفلت منا جميعاً، بسبب كثرة الضغوطات، والانشغالات، وبسبب التقدم في العمر، ولكثرة ما يمر بنا وتتداخل فيه الأحداث والأسماء والمناسبات، هذه الذاكرة نفسها تمارس أرشفة محتوياتها بآلية دقيقة منضبطة لا يتدخل فيها إلا الذاكرة نفسها واختياراتها وتفضيلاتها، إلا أن هذه الذاكرة ماكرة ومخاتلة وخادعة بشكل قد لا نتصوره أبداً، من هنا دخل الطب وعلم التشريح وعلم النفس، على خط الذاكرة محاولاً سبر مجاهلها وخدعها، وكان لفرويد ونظرياته الدور البارز في ذلك.

في العمر القصير الذي يتسنى لنا أن نمضيه على هذه الأرض، نظل محاطين دائماً ببشر من كل نوع وصنف، بشر نرتبط معهم بعلاقات متفاوتة، وبشر تضعهم الأقدار في تقاطعات طرق معنا ليقدموا لنا شيئاً ما: باقة فرح، علب هدايا لا تخطر على البال، إشارات تذكير، أو إجابات لأسئلة لا تهدأ في دواخلنا، وهناك أشخاص كانوا أكبر من قدرتنا على أن نحلم بهم، ومع ذلك فقد أتى بهم القدر إلينا، من كل هؤلاء وهذه التذكارات ما الذي يبقى صامداً وما الذي يسقط في متاهات الذاكرة؟

ومن أكثر من نشكره لأنه ترك فينا أثراً لم ولن ننساه؟

أتذكر في أحد اللقاءات التلفزيونية، طلبت المذيعة من الممثل جميل راتب أن يذكر أسماء شخصيات يود أن يقدم لهم الشكر لما تركوه من أثر في نفسه؟

وفي الوقت الذي كانت المذيعة تنتظر من الفنان أن يذكر لها أسماء مهمة وكبيرة لزملاء وأصدقاء من الفنانين الكبار وأصحاب الريادة، بادرها جميل راتب بأن شكر وبامتنان شديد ثلاثة أشخاص لا يعرفهم أحد: سائق حافلة لمحه في أحد الأحياء، فأوقف الحافلة ونزل للسلام عليه، وعاملة نظافة في مطار القاهرة لم تجد ما تعبر به عن إعجابها إلا أنها دعته لتناول زجاجة كوكا كولا، وسائق تاكسي عندما أجابه راتب بأنه لا أولاد لديه، قال: نحن جميعاً أولادك.

Email