الحرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك مفاهيم وأفكار قد نتفق على مضامينها المثالية، لكننا يمكن أن نختلف على طرق التعبير عنها، لأن فهم الناس لفكرة أو فلسفة أو مفهوم معين مختلف من شخص لآخر، وكمثال على ذلك لنأخذ فكرة الحرية، ففي الوقت الذي تفهم فيه أنت الحرية باعتبارها تعبيراً عن إمكانية الفرد على اتخاذ قرار معين في حياته دون أي جبر أو شرط أو ضغط خارجي، يعتقد آخر بأن الحرية هي في منعك من ذلك كي لا تؤذي نفسك والآخرين!

الحرية بالنسبة للبعض أن يقول رأيه في أي قضية، وأن يدلي بهذا الرأي بشكل علني دون خوف أو قهر أو ضغط من أية جهة! لكن ماذا لو كان في هذا الرأي تجاوز على شخص أو مجتمع بعينه؟ وماذا لو كان هذا الرأي خاطئاً جملة وتفصيلاً؟ أو مبنياً على فهم وتفكير خاطئ متجاوز؟ ألن يقود ذلك بالضرورة إلى استنتاج خاطئ وتصرف خاطئ كذلك؟ إذن ما هو الحل؟ ليس الحل في قمع أو إلغاء نزعة إنسانية عظيمة كالحرية بالتأكيد، ولكن في تقنينها وجعل ضوابط تحفظها من أن تتحول إلى غوغائية، أو أن يتحول الناس إلى فوضويين يتجاوزون على حقوق بعضهم بعضا!

لقد حدث في التاريخ الإنساني الكثير من الحالات والأحداث التي تحولت فيها الحرية إلى وسيلة لاغتيال حقوق وحريات الآخرين تحت ذريعة حماية المجتمع، ففي الثورة الفرنسية تحولت محاكم الثورة إلى فرصة لتصفية الخصومات والقتل بمجرد الاشتباه، حتى قيل (أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك!).

وللأسف فإن الإنسانية التي لطالما سعت للحصول على أكبر قدر من الحرية محاربة بذلك سياسات التسلط والاستعمار، والأنظمة الديكتاتورية، وخاضت حروباً كبرى للتحرر والاستقلال، اضطرت لوضع الضوابط والقوانين لمنع الحرية من التعدي على الآخرين!

وفي حياتنا العامة والراهنة، أصبحت التقنية ومواقع التواصل واحدة من أكبر التحديات في هذا المجال، فهي تعبر عن مستوى غير مسبوق في تحقيق الحرية والتعدي عليها في الوقت نفسه، لذلك، فالمهم ليس في توفير فائض من الحرية ولكن المهم هو طريقة التعامل معها!

 

Email