الغوغائيون

ت + ت - الحجم الطبيعي
في عام 2000 تظاهرت أعداد كبيرة من طلاب جامعة الأزهر منددين برواية للكاتب السوري (حيدر حيدر) الذي رحل عن عالمنا مؤخراً، مطالبين بمنعها، ومتهمين صاحبها بالتعدي على الذات الإلهية عبر شخوص روايته، يومها بدت لي هذه الحكاية غريبة لسببين.
 
أولاً لأن هذه الرواية «وليمة لأعشاب البحر» كانت قد صدرت عام 1983، أي قبل 17 عاماً من الاحتجاج، وتدور أحداثها حول مناضل شيوعي عراقي هرب إلى الجزائر، ومرتبط بعلاقات مع أشخاص يعانون الكثير من الإحباطات والانكسارات؛ وعليه فإن علينا فهم حواراتهم وفق هذه الخلفية!
 
أما ثانياً؛ فإن الطلاب المحتجين الذين ظهروا على شاشة التلفاز يومها لم يكن معظمهم قد قرأ الرواية، وإنما تأثروا برأي أو كلام جاء في محاضرة أو لقاء تلفزيوني ربما، يشبهون في ذلك الشابين اللذين حاولا اغتيال الروائي نجيب محفوظ بعد فوزه بنوبل؛ بناءً على شحن أحد المتطرفين.
 
إن المواقف إذا كانت تعبر عن رأي حقيقي مبني على وعي ومعرفة فاحصة، فلا بأس بها، فمن حق أي إنسان أن يكون له رأي وموقف مما يقرأ، لكن تأسيس مواقف بناءً على جهل وانطباعات، وتبني مواقف لأناس آخرين، فهذا هو المرفوض؛ لأن هذا هو ما يقود للتصرف بتعصب وفوقية!
 
كتبت واحدة على صفحتها نقداً لاذعاً في غير مكانه عن نتائج الجائزة العالمية للرواية العربية، وذكرت أن لجان التحكيم في هذه الجائزة قد دأبت على اختيارات تتنافى مع صفة عالمية الرواية العربية، وأن هذه الاختيارات ما زالت مصرة على حصر الرواية في العالم العربي «الصحراوي البدوي المتخلف»، الذي يتنقل أهله على ظهور الجمال، أو عن حكاية الفلسطيني المقهور!
 
هذا هو المثال الساطع للجهل المركب، فأولاً لا وجود لعالم صحراوي متخلف أساساً، الصحراء عالم من الإبداع والإنسانية والعبقرية، وأهل الصحراء اليوم لا يتنقلون على الجمال، بل يتنقلون بأحدث وسائل المواصلات، كما لا وجود لجوائز للرواية الفلسطينية تحديداً، ففلسطيني واحد فقط هو الروائي (ربعي المدهون) من نال جائزة البوكر العربية خلال 16 عاماً، لكننا إلى اليوم ما زلنا نطلق أحكاماً فارغة واتهامات مبنية على انطباعات وعواطف غير محايدة!
 
Email