لماذا فازت «تغريبة القافر»؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما توقعت فوز رواية العماني زهران القاسمي «تغريبة القافر» بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الحالية، فإن هذا لم يكن يعني بأي حال من الأحوال أنني لم أعجب ببقية الروايات الخمس الأخرى، في الحقيقة لقد قرأت الروايات جميعها بدأب وحرص شديدين، فكانت تلك القراءات ضرورية جداً، عززتها خبرة المشاركة في تحكيم جوائز مختلفة حسمت أمر تفضيلي وترشيحي للرواية، لماذا كانت «تغريبة القافر» هي الأقرب للفوز بالنسبة لي؟ هناك جملة أسباب رجحت كفة هذه الرواية.

يأتي على رأسها أصالة الموضوع وحداثته، فموضوع الماء وتجلياته في حياة القرية (القرية تمثل كل أماكن التجمعات الإنسانية)، وذلك الدور الذي لعبه ويلعبه الماء دوماً متأرجحاً ومذكراً بأنه يمكن أن يكون سبباً للحياة والنماء، وأن يتسبب في الجفاف والقحط والموت كذلك.

كان ذلك التناول يبدو منساباً ومنطقياً خلال العمل دون إقحام أو تكلف، كما وشكل إشارة تحذيرية للجميع: انتبهوا من الاستغلال الجائر لمورد فيه حياتكم وموتكم بحسب طريقتكم في استغلاله! وما حروب الماء اليوم إلا أحد تجليات تلك النبوءة التي لطالما أثيرت حول الماء وندرته وعلاقته بنهاية الحياة!

لغة النص لم تغادر ثيمة الماء منذ أول النص وحتى نهايته، فقد حافظت اللغة على رقتها وشفافيتها وتغلغلها في جذور كل شيء، أعماق الصخر، الأفلاج تحت الأرض، علاقات الحب، الشغف، التنقل وعوالم الأساطير والميثولوجيا، إنها لغة شعرية رائقة خدمت النص بشكل ساحر تخص روائياً هو في الأساس شاعر منتمٍ لبيئته وشعره وأبحاثه وعوالمه السحرية.

شخصيات الرواية لم تأت من فراغ، ولم تعرض بأرشيفية جامدة، نعم لعب التخييل جزءاً في تكوينها بلا شك، وأعطاها أسماءها ومحدداتها، لكنها بقيت متداخلة مع بعضها ومع بيئتها طوال الوقت، وظلت طوال الوقت شخصيات من عمق الحياة القروية العمانية؛ لذلك كنا كقراء متحدين معها ومع غرائبيتها ومصائرها وحياتها وحتى موتها.

لقد أطلق زهران القاسمي صوته الذاتي، وفي الوقت نفسه صوت الراوي العليم، ممثلاً ابن القرية بكل تفاصيلها، مطلقاً هذه القرية في سماء السرد بطريقة مغايرة عن أية قرية أخرى.

 

Email