بين القوة والهشاشة.. يخلق الإنسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس هنالك شك في أننا كبشر لدينا الكثير من علامات الضعف، فالإنسان ضعيف منذ خلقه الله، إنما يجتهد طوال مسيرته كي يصبح قوياً وقادراً على أداء ما كلف به وما تواجهه به الحياة، والحياة بكل ما فيها ليست سهلة أبداً، تحتاج إلى مكابدة ومدافعة كي يتمكن الإنسان فيها من أن يحظى بمكان يقف فيه، ووضع يستقر عليه، وحياة يؤسسها ويطمئن فيها، ومع ذلك لا يترك مطمئناً أبداً، فلا يكاد يمر وقت بسيط حتى تستنهضه تلك الظروف ليقف ويقاتل مجدداً!

مسيرة الإنسان لم تبنَ على الراحة، وهذه الحضارات والمدنيات التي تأسست لم تنبثق من عمق الطمأنينة بل من صميم التحديات والصراعات والحروب في معظم الأحوال، صحيح أن الإنسان ما أن ينتهي من صراعات حتى يلتفت لحياته ومتعه ومنجزاته واحتياجاته، لكن الصراعات لا ولم تنتهِ يوماً، ولنتأمل أعداد وحجم الحروب والقتال والصراعات في التاريخ الإنساني، حجم الاعتداءات والقتل والاستعمار والأوبئة ؟ إنها كثيرة إذا قارناها بساعات أو أيام الاستقرار والسلام والراحة!

مع ذلك فإن هذا الكائن، هذا الإنسان، أثبت بأنه برغم الهشاشة النفسية والإنسانية والجسدية التي يتصف بها، إلا أنه الكائن الوحيد الذي ثبت على هذه الأرض واستمر في مواجهة كل البلايا والرزايا ومخاطر الأوبئة والجفاف والأمراض والحيوانات المفترسة.. هو الوحيد الذي انتصر وبقي، دون أن يمنعه شيء من الاعتراف بضعفه وهشاشته، لكنه اخترع منطق الاستعانة بغيره، كما اخترع ما لا يحصى من أدوات ووسائل وطرق المساعدة لكي ينجو بواسطتها.

من هنا نكرر بوعي أننا جميعاً بحاجة لمن يعيد علاقتنا بأنفسنا وبغيرنا وبالمحيط حولنا حين تختل هذه العلاقات، أو حين نفشل في رتق تمزقاتها وشروخها، أو حين تكون الصدمات أقوى من دروعنا التي نحتمي بها، من هنا فإن الذين ستقع عليهم مهمة تجسير الفجوة بيننا وبين الحياة (من يسمون بمدربي الحياة) يفترض ولابد لهم من أن يكونوا على قدر عالٍ ومحترم من التخصص والعلم والدراية والإنجاز، ما يثبت أهليتهم للمهمة التي سنوكلها لهم!

Email