هل تحتاج الحياة لمدربين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك العديد من الظواهر التي نمت بيننا بفعل تحولات عديدة مرت بها معظم المجتمعات، وعانى منها الإنسان، الذي يعيش حياة شديدة التعقيد في مدن الحداثة المعاصرة، هذا الإنسان الذي رغم تقدمه العلمي ومعارفه وطموحاته الشرسة، فإنه في النهاية كائن ضعيف يسعى دائماً وبإخلاص إلى حياة هادئة، متزنة وسعيدة، ولذلك يتلقف أي شيء يلوح له بإمكانية توفير هذا التوازن وتلك السعادة والاستقرار والسلام والقوة النفسية.

من الظواهر التي نمت كرد فعل أو تلبية لاحتياجات الإنسان، وأيضاً لاستغلال حاجته للاتزان والسلام والقوة والتغلب على المطبات اليومية، ظاهرة تفشي كتب وكتّاب ومحاضري ومحاضرات ودورات التنمية الذاتية، بعد أن امتلأت مكتباتنا ومعارضنا بطوفان من هذه الكتب بقوة ترويج ودعاية ضخمة توازي حملات الترويج لدين جديد أو رئيس أمريكي سيحكم العالم!

تقول المعلومات والدراسات إن كتب ظاهرة التنمية الذاتية غالباً ما تتصدر قوائم الإصدارات الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، مثلاً (في أمريكا يبدو الأمر مفهوماً)، وقد قفزت أرباح هذه النوعية من الكتب من 9.9 مليارات دولار في 2016 إلى 13.2 ملياراً في 2021، وهي تشكل أكثر من 30 في المئة من سوق الكتب في فرنسا، حيث إن %33 من الفرنسيين سبق أن قرأوا على الأقل كتاباً واحداً في التنمية البشرية أو الذاتية في السنة، حسب دراسة أخيرة صدرت في صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

أما الظاهرة الثانية المرتبطة بالظاهرة الأولى، والتي تكملها وتتشابه معها في معظم التفاصيل (الفكرة والهدف)، فهي سعي الكثيرين لأن يتحولوا إلى مدربي حياة، عبر دورات افتراضية أو واقعية بسيطة محدودة أو حتى طويلة الأجل، يتحولون بعدها إلى معلمين قادرين على تدريب الآخرين، وخاصة الذين يعانون فشلاً في مواجهة تحديات الحياة، ومعرفة أسرارها وفنون الحياة والعيش المتوازن والمتصالح، الذي يعادل مصطلح الرضا في الثقافة الإسلامية، وبالتالي إيصال الذين يعانون من التوتر والخوف وانعدام الثقة إلى وضعية الواثق المقبل على الحياة،

فما حدود العلم وحدود الادعاء في ما يتعلق بهاتين الفكرتين؟

Email