الخوف الذي نحتاجه

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت أتحدث إلى صديقتي في بلاد أخرى، ذهبت إليها لعلاج زوجها، وقد مضى زمن طويل على سفرها، وكلما اتصلت بها لمست ذلك الشجن في صوتها وذلك الخوف، بل الرعب الذي تعبر عنه بشكل وكلمات مباشرة، الخوف على زوجها، والخوف أن يكون أحدهم قد (عمل له عملاً أو سحراً كما تعتقد!)، والخوف ألا يشفى، وألا يعود إلى ما كان سابقاً، الخوف من ألا تعود إلى الوطن، وأن تظل في الغربة مع زوجها، الخوف من الغد، وعلى المستقبل الذي بذلت الكثير ليكون أكثر نجاحاً واستقراراً، لكن مرض الزوج المفاجئ والصعب جداً قد أسقط كل رهاناتها، وعرقل كل الأحلام أو على الأقل وضعها في خانة «مؤجل حتى إشعار آخر»!

أتركها تعبر عن مخاوفها دون أن أتدخل، أو أعترض، أو أقاطعها؛ لأنني أعلم حجم مخاوف الإنسان في مثل حالتها وحاجته للكلام، وما هذا الخوف المتدفق من قلبها سوى شكل آخر من أشكال الحرص على الأحلام والحياة والزوج والحب.

إن الخوف واحد من أهم الانفعالات الطبيعية التي يمارسها الإنسان الذي لا يعيش انفعالاً بكامل طاقته وتفاصيله كما يفعل إزاء الخوف، فالخوف صفة وسلوك في الوقت نفسه، وهو بقدر ما نراه سلوكاً غير مستحب إلا أنه الانفعال الكامن فينا جميعاً، والذي يعبر عن فطرتنا الآدمية والإنسانية الحريصة على الحياة والبقاء، شريطة أن يكون الخوف خوفاً طبيعياً وليس الخوف المرضي، الذي يحتاج لأن يسعى الإنسان لمعالجته والتخلص منه، لأن الخوف المبالغ فيه لن يحمي حياتنا بقدر ما سيمنعنا من الحياة الطبيعية، كما قال نجيب محفوظ!

لا أقاطع صديقتي حين تتحدث عن مخاوفها، ولا أجدها بحاجة إلى النصائح والإرشادات، فكل ما تحتاجه مني هو القليل من الصبر والكثير من الإنصات، فالناس تلجأ لمن تحب لأنها تحتاج لأن تخرج ما بداخلها ببساطة، وهي تفعل ذلك حين تتيقن أن هناك من سينصت لها بقلبه وباهتمام وتفهم، دون مقاطعة أو نصائح!

Email