الذين يعلمون كل شيء!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في روايته الشهيرة «الأبله»، التي نشرها في العام 1869، يصف الروائي الروسي فيودور ديستويفسكي نوعاً من الشخصيات، التي لا بد أن تقابلها في الحياة، ولو مرة واحدة على الأقل، بالصدفة أحياناً، وبحكم بيئة العمل التي تجمع الأضداد الإنسانية تحت سقف واحد!

تلك الشخصية التي تطرح نفسها أمام الناس باعتبارها تعرف كل شيء، وتعرف كل إنسان «فبمجرد أن تذكر اسم شخص وأنت تسرد واقعة ما، تجد هذا الشخص يتطوع من تلقاء نفسه ليروي مواقف وحكايات تجمعه به»، هذا النوع من الناس يسميهم الكاتب في الرواية «العالمون بكل شيء»، ورغم أن مجال عملهم وذكاءهم محدودان جداً، وساحة معرفتهم محدودة كذلك، إلا أنهم في أكثر الأحيان أناس صعاليك تنقلوا بين وظائف مختلفة، وتعرفوا على أشخاص من كل الطبقات بطريقة زج أنفسهم في كل مناسبة!

تغريهم معارفهم والمعلومات، التي يجمعونها عن الآخرين، حيث يعتبرونها علماً حقيقياً وكنزاً عظيماً، يستمدون منه احترامهم لأنفسهم، وتفوقهم على غيرهم، كما يستمدون منه متعة روحية عظيمة، وفائدة يصلون عبرها إلى أهداف وغايات يحرصون على بلوغها، حتى إنهم، «يقول دستويفسكي» مدينون لهذه المعرفة بما ينالونه من وظائف وفوائد وعلاقات، إضافة لجو الغموض الذي يحيطون أنفسهم وحياتهم به!

يحاول هذا النوع من الناس أن ينسب لنفسه علاقات بشخصيات هامة وأعمالاً عظيمة لا علاقة حقيقية له بها، فإذا ذكرت اسماً سارع لسرد قصة حياته، التي تعلم أنها موجودة على محركات البحث، وإذا أتيت على ذكر كتاب قيم وجدته يحدثك عن الكتاب بعبارات هلامية، يريد إفهامك بأنه قرأه قبلك، حتى لا تتباهي بنفسك عليه، إنه قادر على سحب البساط من تحت أقدامك بمنتهى الخبث!

وعلى الرغم من ثغراتهم النفسية وافتقارهم الواضح للمؤهلات العلمية والمادية وغيرها، إلا أن لديهم القدرة والجرأة لتوفير كل ما يجعلهم يحظون بوظائف جيدة، ولا بأس لديهم أن يقدموا مؤهلات زائفة إذا لزم الأمر، أو قد يكشفون النقاب عن شهادات مزورة، عمل بها موظفون كثر لسنوات، كان بعضهم ممن صنف ضمن «العالمون بكل شيء».

 

Email