الثقة بالقارئ

ت + ت - الحجم الطبيعي

عرف القراء العرب الكاتب البرازيلي باولو كويلهو، بعدما ترجمت روايته اللطيفة «الخيميائي» للعربية، ورغم أنه كتب الكثير من الروايات بعدها، إلا أن شهرته ارتبطت بحكاية الخيميائي ومغامرته. على صفحته في موقع (فيسبوك) نشر كويلهو مقالة حول قواعد الكتابة، أجدها في غاية الأهمية، بالنسبة لكل كاتب مهتم بقرائه وكتابته.

واحدة من قواعد كويلهو الثمانية تناقش «الثقة بالقراء»، وهي قاعدة جديرة بالانتباه تقوم على سؤال مهم: لماذا على الكتاب أن يثقوا بقرائهم، وأن يتوقفوا عن الاعتقاد بأنهم الأكثر فهماً وذكاء منهم؟ إنه سؤال يحدد شكل ونوع ومضمون الخطاب الموجه للقارئ، فالقارئ ذكي جداً، وفي غير حاجة للشرح والإطالة والكلمات القاموسية الجامدة.

لا يأتي القارئ إلى ما نكتبه صفراً من المعرفة والتجارب والقناعات والأفكار، لذلك يقول كويلهو: «ثق بقرائك، ولا تحاول أن تشرح لهم الأفكار وكأنك تدرس أطفالاً في فصل دراسي، أعطهم مجرد إشارات وإضاءات ودع مخيلتهم تعمل، وأفكارهم تثري النص».

يظن كثير من الكتاب بأنهم معلمون أو وعاظ، لذلك تمتلئ كتاباتهم بالشروح والتوجيهات، دون أن يتساءلوا فيما إذا كانت الكتابة عملية تفاعلية بين طرفين أم تلقينية؟ وهل هي عملية فوقية، يلقي فيها الكاتب تعليماته وعلى القراء أن يتلقفوها بالموافقة؟ إن الكتابة للناس ليست أمراً سهلاً، وقد زادت صعوبتها مع تنامي ثورة التقنية، ووسائل الاتصال والإعلام الجديد، هذا الإعلام الذي أعطى لكل شخص القدرة والحق في أن يكتب وينشر، ويقول ما يؤمن به!

إن الثقة بقدرة القارئ على القراءة الناقدة والذكية انطلاقاً من أفكاره ومعرفته تعبر عن احترام الكاتب لقرائه، وتقديره لحريتهم، إضافة إلى أنها تدفع الكاتب للاعتناء بنصه أكثر عوضاً عن حشوه بتفاصيل لا ضرورة لها، ولا تتناسب مع عقلية قارئ اليوم، الذي أصبح أكثر ميلاً للقراءة العميقة، والجمل المكثفة، غير المتكررة أو المعقدة، لأنها تمنحه مساحة من التفكير والحرية للإضافة والقبول أو الرفض، كما تخلق حالة من الحوار الحر، الذي ينتج نصاً جديداً موازياً لنص الكاتب أو متفوقاً عليه أحياناً!

Email