ما الذي يأخذه منا النضج؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل ما نملكه يمتلكنا، إذا امتلكت المال سيطر عليك ووجهك ورسم شكل حياتك وعلاقاتك، إذا امتلكت القوة صارت حياتك تتحرك في إطارها، وإذا امتلكت منصباً كبيراً صار للمنصب اشتراطات يفرضها عليك فلا تستطيع أن تتجاهلها، إذا امتلكت الشهرة عليك أن تتخلى عن أمور مختلفة والتزامات وتصرفات كنت تمارسها سابقاً قبل أن تكون مشهوراً أو معروفاً.

كأن تتخلى عن عفويتك وصراحتك وحريتك التي بلا حدود، وتلتزم بمجالسة أشخاص لا تطيقهم، وتوافق على كلام تعلم سلفاً أنه غير حقيقي، وتتخلى عن متع كانت تمنحك البهجة والفرح، ربما هذه القيود كانت واحدة من أهم أسباب تعاسة (الأميرة ديانا) التي لم تعرف كيف تتأقلم مع بروتوكولات واشتراطات الحياة وسط واحدة من أكثر العائلات الملكية شهرة ومحافظة في العالم.

كذلك فإن بعض ما نمتلكه يسلبنا امتيازات لطالما أسعدتنا، فوصولنا إلى سن النضج مثلاً يمنحنا الكثير من الحكمة والمعرفة والعلاقات المتوازنة والفهم العميق والحقيقي للأشياء، لكنه يسلبنا تلك الحالة التي لازمتنا أيام مراهقتنا وشبابنا، ذلك الانبهار وتلك الدهشة وربما السذاجة المحببة في تعاملاتنا مع كل ما يمر بنا في الحياة من مواقف وبشر وظروف، فنصدق أغلب الناس، ونتعاطف مع الجميع ونبادر للعطاء وتلبية أي طلب… وهكذا.

تكشف لنا الأيام لاحقاً أن تصرفات كثيرة وكلاماً كثيراً صدقناه، كان كذباً وغير حقيقي، لكننا تعاطفنا معه وقمنا به بقناعة ومحبة ورضا، صحيح أن قناعتنا كانت مبنية على أساس عاطفي وربما خاطئ، لكن تلك هي الحياة، هكذا نردد حينما نكتشف الحقيقة ونقول (كل إنسان يعطيه الله على قدر نيته، وقد كانت نيتنا سليمة) لكن هذا الكلام لن يعيد لنا مالنا الذي استولى عليه ذلك المحتال أو الذي أقرضناه لزميل مدعٍ تعاطفنا بسذاجة واندفاع مع قصة ملفقة أقنعنا بها!!

النضج والفهم الحقيقي للأشياء يسلبنا تلك الحالة الرومانسية في علاقاتنا مع التفاصيل والحكايات والأشخاص، حين يصير العقل هو الحاكم والمرجع والإمام الذي نقتدي به ونتبعه، هكذا هي الحياة.. جبلت على التحولات والتغيير.

Email