ونصدق ما لا يصدق أحياناً!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحب الناس الإنصات للحكايات، وكلما كانت محشوة بالبطولات الخارقة والمواقف اللامعقولة، ازدادت شهيتهم في الإقبال عليها والتعلق بها، هذا واحد من أسباب شهرة وخلود حكايات ألف ليلة وليلة وشيوع أفلام الشخصيات الخارقة ليس عندنا فقط وإنما بين أمم الأرض، فالإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان.

إن تاريخ الإنسان هو في جزء كبير منه قائم على تقديس الخارق وتصديق كل ما يقال عنه، وتبجيل القوة المفرطة أو الخوف منها ومحاولة استرضائها، لذلك يصدق قصص الخوارق والأبطال الأسطوريين ويعتبر إعجابه بهم نوعاً من التعويض عن ضعفه ودليلاً على تصديقه وإيمانه بهم، وعلى هذا اعتمدت السينما وصناع الأفلام اختراع أفلام تعتمد على الأبطال الخارقين.

والإنسان حين يأنس بهذه الحكايات والأفلام التي تمتلئ بالمبالغات ويصدقها ولا يحاول أن يمررها على عقله ويفندها أو يفككها ليعرف درجة مصداقيتها وكذبها، فإنه يفعل ذلك لسببين حسب تصوري: إما لأنه يتعمد إزاحة العقل والمنطق مكتفياً بما تحققه له الفرجة على هذا النوع من الأفلام وقراءة الحكايات من بهجة وشعور بالأمان لوجود هذه القوى الخارقة، معتبراً أن الحياة لا يفترض بها أن تكون دائماً معادلة رياضية أو حواراً منطقياً صرفاً.

وإما لأن البعض يظل لفترة متقدمة من عمره يتصرف بمنطق الشخص غير الناضج عاطفياً، ربما لأنه لم يتعرض لتلك التجارب العاطفية والحياتية التي تفتح عينيه وعقله وحواسه على اتساعها ليعرف كيف يفرق بين الحقيقة والخيال!

أعرف أشخاصاً بالغين ومتعلمين لكنهم إلى وقت متأخر ظلوا يصدقون أن جنية ستخرج لهم في الظلام وتخطفهم، وأن بطلة الفيلم سقطت تحت عجلات القطار وماتت، وأن الخادمة بريئة من سرقة أموالهم لأنها ذرفت دمعتين… هؤلاء الناس أحسدهم أحياناً لأنهم ما زالوا يحتفظون بقلب الطفل وعقله، وأنهم لم يكبروا بعد رغم تجاوزهم الـ 25 من أعمارهم، فكما يقول برنارد شو «نحن لا نتوقف عن اللعب لأننا كبرنا، نحن كبرنا لأننا توقفنا عن اللعب»، فنحن لا نتوقف عن تصديق الأساطير لأننا كبرنا، العكس هو الصحيح!

Email