الأمن الذهبي الذي لم يمنع الحرب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كتابه «عالم الأمس» يمنحنا الكاتب النمساوي الشهير «ستيفان زيفايج» فرصة لنطل على حقيقة الأوضاع في النمسا عشية الحرب العالمية الأولى، التي طحنت أوروبا لمدة قاربت السنوات الأربع، شاركت فيها أكثر من 70 دولة، وراح ضحيتها نحو 22 مليون إنسان، ومهدت لتغييرات سياسية كبيرة في العالم، بالرغم من أن شرارتها الأولى كانت توحي بأن أزمة أو حرباً ربما تقع بين البوسنة والنمسا لا أكثر!

إن أكبر النيران تحتاج لمجرد عود ثقاب ذلك صحيح، والحروب المشتعلة لم تحصل إلا لأسباب متداخلة وكثيرة، فالحرب غالباً هي الأداة الأكثر بشاعة التي تلجأ لها الدول حين تفشل أدوات الدبلوماسية، لذلك فإن حرباً بحجم الحرب العالمية الأولى كانت بلا شك الوسيلة الصعبة جداً، لكنها الوحيدة للخلاص من كل تلك الصراعات والأزمات المزمنة بين دول أوروبا، والتي كانت تغلي تحت جلد القارة العجوز، وبالتالي البدء بخريطة وعلاقات جديدة كلية.

يعتبر كتاب «عالم الأمس» من أكثر كتب السير متعة، فهي تصف حياة كاتب عظيم قبل الحرب وبعدها، كاتب شهد عظمة النمسا وانهيار إمبراطوريتها ونشوء خريطة سياسية جديدة قسمت العالم وعصفت بكل ما كان سائداً. في هذا الكتاب يختار زيفايج وصفاً يتناسب مع عظمة أوروبا والنمسا في عصر ما قبل الحرب والذي سماه بـ«عصر الأمن الذهبي والتأمين العظيم»!

أي أن الدول لا تنهار دائماً لأنها تعاني اختلالات داخلية وضعفاً شديداً، فالذي يحدث في الإقليم والاختناقات القريبة والعلاقات المتوترة يمكنها أن تقلب حياة أعظم الإمبراطوريات كما حدث للنمسا، التي كان كل شيء فيها قائماً على الديمومة والرخاء والاستقرار، وكان الذهب يجري في الأيدي ببساطة كعملة رسمية، والإنسان واثق من مجريات يومه المستقر ومستقبله المزدهر.

إن الأمان هو المنجز الذي كانت تفاخر به النمسا، ومع الأمن كان التأمين على كل شيء: على الحقل/‏‏ المصنع/‏‏ المنزل وعلى الحياة في مواجهة الحوادث والشيخوخة والمرض.. حتى جاء حادث اغتيال ولي عهد النمسا وزوجته على يد طالب صربي أثناء زيارتهما سراييفو عام 1914، لتنفجر تلك الحرب التي أطاحت بكل شيء.

Email