مرحلة تصفير العداد

ت + ت - الحجم الطبيعي

استوقفني المصطلح الذي ورد في الخبر الرئيسي على صدر الصفحة الأولى في الصحيفة، حول زيارة مسؤول عربي لعاصمة كبرى، حيث تتجه علاقات البلدين في المرحلة المقبلة نحو سياسة تصفير المشكلات، وتناسي الخلافات، وفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية والدولية بعد سنوات من الخلافات، وبلا شك فهي سياسة سلام يحتاجها الجميع.

والتصفير اصطلاح قد يشير إلى أحد أمرين حسب السياق العام للحدث وللحديث؛ فإما أن يقصد به الوصول إلى حالة صفر مشاكل، وإما يقصد به البدء في علاقات وأوضاع سياسية جديدة تهيئ البلد أو المنطقة لوضع يجعلها قادرة على مواصلة العلاقات بعيداً عن الأزمات والمشاكل التي تعيق العمل المشترك، تقنياً تعرف هذه العملية بإعادة التشغيل في أجهزة الحواسيب، حيث يتم تخليص الأجهزة من مشكلاتها وفيروساتها والبدء من جديد، لكن هل تصمد سياسة التصفير هذه في السياسة وتساعد في بناء علاقات متينة؟

في أعقاب فترة الوباء العالمي كورونا، وكذلك الكثير من الحروب العظمى، انتهجت الدول المتحاربة بلا شك استراتيجية تصفير المشاكل؛ حيث إن ما أصاب العالم من أزمات وانهيارات اقتصادية استدعى دائماً تغيير الخيارات وإعادة توجيه استراتيجيات الدول لبناء عالم جديد تقوم العلاقات والتحالفات فيه على اعتبارات مغايرة تماماً.

هذا ما حدث بعد كورونا، فالعالم تغير بنسبة 180 درجة، وأصابه الكثير من الأعطاب، وهذا يعني نسيان كل ما سبق، وتصفير العداد والبدء من جديد، لتستطيع الكثير من دول العالم تجاوز أزماتها الخانقة، خاصة وأن الحديث فيما قبل كورونا كان منصباً على تبني ثورة تقنية شاملة تقوم على الذكاء الاصطناعي واقتصاد المعرفة.

السؤال: هل يمكن تصفير عداد المشاكل فعلاً؟ هل هذه الطريقة الأنجح سياسياً لتجاوز الأزمات؟ يقول التاريخ والسياسة معاً بأن العلاقات بين الدول قوامها المصالح المشتركة، وليس العواطف والصداقات، ونظرة سريعة إلى القارة الأوروبية في أثناء الحربين العالميتين وما خلفتاه من ملايين القتلى تقول بوضوح إن تصفير العداد هو ما قاد أوروبا إلى سلمها واستقرارها القائم على اتفاقات ومعاهدات صلبة مستمرة حتى اليوم.

Email