لا جدال في أهمية الدراما التلفزيونية، ودورها في حياة المجتمعات والأفراد، ونحن هنا لسنا بصدد تأييدها أو مهاجمتها، ولكننا نناقش فكرة الأهمية في سياق التطور الثقافي والسياسي والتنموي للمجتمعات العربية، والطريقة التي تم بها توظيف هذه الدراما في إطار الفعل الثقافي المؤثر، فمثلما تم تمرير الكثير من الأفكار والنقد الموجه للسياسة وللظواهر المجتمعية، فإن السُلط العربية قد وظفت هي الأخرى الأعمال التلفزيونية ذات الجماهيرية، لتكريس الكثير من القيم، والترويج لأفكار الإصلاح والتغيير وغيرها.
وبلا نقاش، فإن مصر تتربع على قمة إنتاج الدراما التلفزيونية والإذاعية تاريخياً، ومن حيث كمية الإنتاج السنوي، والإنفاق على هذا المجال، وإعداد العاملين فيه من جميع التخصصات، وقد أدى بث وانتشار الدراما المصرية في جميع أقطار الوطن العربي، لتقريب الشخصية والثقافة المصرية للشعوب العربية.
إضافة لانتشار اللهجة المصرية وسهولة فهمها والتحدث بها، ويُعتبر مسلسل «عائلة مرزوق أفندي»، أقدم مسلسل إذاعي في التاريخ العربي، بثته الإذاعة المصرية عام 1959، ولمدة 5 دقائق يومياً، تتناول كل حلقة منه مشكلة ما تُعاني منها الأسرة المصرية والعربية، كالهجرة والإدمان والبطالة ومشاكل الزواج وغيرها، وقد استمر بثه لـ 60 عاماً متواصلة.
عندما بدأ بث التلفزيوني المصري عام 1960، فكّر المصريون في توظيف الدراما لخدمة قضايا المجتمع والتغيير، فكان أول مسلسل تلفزيوني «هارب من الأيام»، الذي بث 1962، وقد ألقي القبض على مؤلف العمل، واتهم بأنه يسقط شخصية بطل المسلسل، الطبال الذي كان يسرق القرية في غفلة من الجميع، على الرئيس جمال عبد الناصر، إلا أنه تم الإفراج عنه سريعاً.
وما بين عام 1959، الذي بث فيه مسلسل «عائلة مرزوق أفندي»، وعام 2023، هناك زمن ممتد ومتغير ومختلف، مر على ذلك المسلسل 64 عاماً، تغيرت مصر والعالم العربي كله، تغيرت السياسات والتحالفات وأشكال الحكم والرؤساء، زادت المشاكل، وتنوعت وكثرت التحديات والأزمات، ومع ذلك، فالدراما العربية لم تستطع أن تكون بحجم التغيير الذي حصل على مستوى بنية السلطة، وتغير المجتمع، والعلاقات والذهنية العامة، والمشاكل الطارئة المرتبطة بالحداثة ومشروعات التنمية، والقهر السياسي والاغتراب والانفتاح و… إلخ.