«حلم ماكينة الخياطة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يكتب الإيطاليون أدباً مختلفاً، أدباً فائق الجمال وشديد الواقعية، ولذلك فإن هذا الأدب كما أظنه هو الأقرب للذائقة الإنسانية عامة، فإذا ذهبت إلى السينما الإيطالية ستجد أن عوالمها لا تختلف عن الأدب في رصد حركة وحياة الإنسان والمدينة في أدق وأخص جوانبها، لذلك تناقش السينما الإيطالية الأفكار والفن والفلسفة والتعليم والتحولات الكبرى والحرب والجريمة و… بالعمق والأهمية نفسها.

لقد كان لاعتماد المخرجين الإيطاليين على المسرحيات والأعمال الأدبية العظيمة في البداية وبميزانيات قياسية دور كبير في ريادة وقوة هذه السينما التي أثرت على السينما في كل العالم، قبل أن تسيطر عليها الدولة الفاشية زمن موسوليني وتحولها إلى أداة لترويج الفاشية.

أما الأدب الإيطالي، وأنا منغمسة هذه الأيام بقراءة رواية إيطالية، فإنه قادر وبسلاسة على التأثير في قارئه للدرجة التي تدفعه للسفر إلى روما ونابولي وتوسكانيا وفلورنسا لاكتشاف الأماكن والعوالم الحقيقية لتلك الروايات التي ترصد الإنسان والحياة الإيطالية في عظمتها وبساطتها معاً.

فإذا تنقلت في شوارع روما وجلست في مقاهي الأزقة الضيقة، ودخلت الحوانيت الأنيقة، ودخلت القصور والمنازل الأثرية التي تحولت لمتاحف تروي عظمة أيام ولت، فإن تلك الأمكنة والبيوت القديمة في فيرونا ونابولي لا تبدو غريبة عليك، بقدر ما تشعر أنك قد مشيت فيها فعلاً ذات يوم في حارة تشبه تلك التي دارت فيها أحداث الرباعية المعروفة برباعية «صديقتي المذهلة» للإيطالية إلينا فيرانتي.

في رواية «حُلْم ماكينة الخياطة» التي بين يدي، للكاتبة الإيطالية بيانكا بيتسورنو، تحيك الكاتبة قماشة روايتها كما حاكت تلك الفتاة الفقيرة في الرواية فساتين المناسبات لنساء الطبقة المخملية، تستدعي الكاتبة بطلتها الخَيَّاطَة المُتواضِعَة من زمن ما في القرن التاسع عشر، لتدخلها منازلَ الطبقات العليا كي تخيط لهم، بعد أن تعلمت استخدام الماكينة على يد جدتها وهي طفلة، فذكرتني بتلك الأيام التي لم يكن يخلو بيت هنا في دبي من ماكينة الخياطة (سنجر)، ولا أدري في الحقيقة كيف أتقنت والدتي وجارتنا استخدامها رغم أن جدتي لم يكن لها بتلك الماكينة أية علاقة.

Email