الحرب ضد الأفكار!

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مر التاريخ كانت الفكرة السائدة والثابتة هي أن الحكومات والأنظمة الاستبدادية هي التي تقوم بحرق الكتب، ومحاربة جوانب معينة من الثقافة لأسباب متنوعة، تعود في جوهرها إلى الرغبة في إحكام السيطرة على الأفراد والشعوب، وذلك لما تتمتع به هذه الكتب من قوة تأثير وإقناع وتغيير، مع استحالة القضاء عليها بعد انتشارها وتداولها!

لذلك، فإن جميع الحكومات ذات المرجعية والأفكار الأيديولوجية (كالنازية في ألمانيا/ الشيوعية في الاتحاد السوفييتي/ المتطرف الديني لدى تنظيم داعش)، وحتى الحكومات غير الأيديولوجية تعمل باستمرار، وبأدوات قوية على تشكيل معتقدات وقيم مواطنيها بالشكل والطريقة، التي تضمن ترسيخ قيم الانتماء والولاء في نفوس هؤلاء المواطنين، من هنا تشكل الأفكار المخالفة والمعارضة خطراً يهدد هذه الجهود، لذلك يتوجب القضاء عليه.

إن للمؤسسات الدينية في كل مكان تاريخاً طويلاً في حرق الكتب ومحاربة الثقافة وأصحاب الأفكار التجديدية، أما مبرر هذه الحرب فكان الحفاظ على إيمان الناس واستقرار المجتمع ومحاربة البدع، فالكنيسة الكاثوليكية حظرت وأحرقت الكتب، التي تحدت تعاليمها، خلال العصور الوسطى، وحركة طالبان قامت بتدمير تماثيل بوذا، وحظرت الموسيقى، وبالمثل دمر تنظيم داعش القطع الأثرية والكتب والمخطوطات النادرة في سوريا والعراق.

لقد حاربت الحكومات الكتب والثقافة كوسيلة لقمع أفكار المعارضة، وقد تجلى ذلك بشكل خاص خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وقد حكم قانون مكارثي سياسات أمريكا في تلك الفترة، التي جندت فيها الحكومة كل أدواتها وإمكاناتها لقمع الأفكار والدعاية الشيوعية، وحظرت الكتب والأفلام، التي تخدم الأفكار الشيوعية، وتدعو لها.

والحقيقة أنه ليست الحكومات والتنظيمات فقط من يقول بذلك، فقد كتب الناقد السينمائي الإيراني المعروف، برويز جاهد على صفحته في «فيسبوك» مؤخراً: «العالم حافل بالأشخاص الحمقى والمجانين، لقد ركبت الطائرة، ومعي كتاب فرنسي مترجم للفارسية ابتعته من طهران، وأردت أن أقرأه أثناء الرحلة، وقبل أن تقلع الطائرة وضعته على الكرسي وذهبت لدورة المياه، وحين عدت كانت جارتي قد وضعت يدها على الكتاب، وأخذت في تمزيقه، لأنه كما قالت مكتوب بالعربية، وهي تكره العرب، وتكره لغتهم!».

Email