«قطار الليل إلى لشبونة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لدي يقين بأن صناع السينما الذين اخترعوا هذا الفن وبرعوا فيه منذ البدايات، لم يخطر ببالهم يوماً أن يتحول هذا الفن إلى مجرد عبث وتضييع وقت، وحبك قصص تافهة بحجة تسلية المشاهدين، هناك جذر كبير في صناعة السينما للتسلية، نعم لكن أي تسلية؟ فحتى التسلية يمكنها أن تتخذ أشكالاً عديدة، فهناك تسلية تتجذر في بيئة خالصة من التفاهة الخالصة، حيث تشيع مقولة: الضحك للضحك والفن للفن والرقص للرقص..

ثم هلت علينا موجة السينما الدعائية لترويج الأفكار البائسة والتي تطال الأخلاقيات والقيم وتضربها في مقتل! وطبعاً كل ذلك يحدث بلا ضوابط ولا معايير ولا أسس، ثم لا بأس وسط ذلك كله من تسريب جملة أو جملتين ذواتي معانٍ عميقة ذراً للرماد في العيون!

الأمر نفسه ينطبق على الأدب والغناء والمسرح وغيره من الفن، إلا أن موجة التردي التي طالت الفن السابع أكبر مما يتسع لها الحديث هنا، ولكن ذلك لم يمنع وجود وإنتاج نوعية عظيمة من الأعمال المهمة في السنوات الماضية، ومن الأعمال الخالدة في تاريخ السينما بشكل عام، إلا أن الملاحظ هو انتماء معظم الروائع لسنوات ما قبل عقد الألفية الثالثة.

الفيلم السويسري «قطار الليل إلى لشبونة» واحد من هذه الأفلام التي تقول الكثير: خلطة رائعة ومؤثرة من التاريخ والفن والسياسة وعلم النفس، في قالب محبوك جداً وبأداء متقن من الممثلين الذين يعدون على أصابع اليدين، التصوير والموسيقى والمشاهد الخارجية لا خلل فيها، وكذلك تحريك الشخوص وربط الحاضر بالماضي دون إغفال الإشارات الرمزية في الفيلم.

مشهد محاولة الفتاة (حفيدة ديكتاتور البرتغال) الانتحار بإلقاء نفسها من أعلى الجسر في ذاك الصباح الشتوي الماطر، وإنقاذ الأستاذ لحياتها، وعثوره على الكتاب في جيب سترتها، ثم انقياده وراء الحكاية في ذلك الكتاب طيلة الفيلم، يجعلنا كمشاهدين نتتبع أثر أولئك الشباب الثوار وكأننا نبحث عن شيء مفقود فينا أو يخصنا.

فيلم لا يمكنك أن تشاهده لمرة واحدة فقط، وإذا شاهدته لا يمكنك أن تنساه بسهولة.

Email