وتبقى التجارب متصلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

غالباً ما تأتي تعقيبات القراء على ما نكتبه لتشكل إضافة مهمة، تقودنا عبر دروب من الأسئلة والتداعيات، فهذه التعقيبات أو التعليقات تفتح بين الكاتب وكتابته طريقاً نحو أفق أكثر اتساعاً وعمقاً، حيث يتوصل الكاتب بهذه التعقيبات إلى معانٍ ومواقف وحكايات لم تخطر بباله أثناء الكتابة، ما يجعل النص أكثر تماسكاً حول معناه، وأشد قرباً للناس والحياة.

والحقيقة أن القراء الحقيقيين الذين يتكبدون عناء القراءة اليومية ومتابعة كتابهم على مدى سنوات هم وحدهم دون غيرهم من يمتلكون هذه المقدرة، مقدرة إهدائنا ذاكرة وروحاً أخرى وقراءة جديدة لما نكتبه، إنهم يحيلون الكلام إلى تجربة، ويجعلون التجارب القديمة متصلة لا تنقطع، هكذا تتواصل العقول.

تعقيباً على مقال البارحة حول المدن التي حين نكتشف روحها تتجاوز حالة العادية التي نظنّها، يقول قارئ كريم: «في المقال الأخير حول المدن البعيدة عن الاعتياد، أعجبني تعبير أن المتع العميقة لا تكون متاحة إلا بعد مشقة، وهو أمر يستحق أن نقف عنده ونتأمله طويلاً؛ ذلك أن النفس البشرية تميل إلى الركون إلى ما هو سهل، ولا تحب تجشم العناء في الحصول على مبتغاها، إلا أن أصحاب الهمم العالية هم الذين يتكبدون المشاق بغية الوصول لأهدافهم، ذلك أن التعب في حد ذاته جزء من المتعة، وترتيبات السفر جزء من الرحلة»؛ لأن الأشياء الملقاة على قارعة الطريق كثيرة ورخيصة جداً، وكل رخيص سهل لا قيمة له.

يواصل القارئ فيتحدث عن تجربة عايشها هو شخصياً، وانعكست على حياته حتى اليوم، كما عايشها جيلنا في الثمانينيات، عندما كانت الحياة أقل ترفاً ورفاهية، وكان طلاب المدارس إذا حلت الإجازة الصيفية ينضمون إلى مؤسسات ودوائر حكومية طيلة شهور الإجازة، للعمل متدربين، وهو ما عرف يومها بالتدريب الصيفي.

وقد كان لهذه التجربة أثر كبير في حياة المراهقين في تلك السنوات، يتعلمون منها مهارات مختلفة، ويكسبون بضعة دراهم، فيتفتح وعيهم على أهمية استثمار الوقت ومدى قيمة الجهد وقيمة الكسب، وللأسف فإن هذه التجربة قد توقفت تماماً.

Email