الهوامش..

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حياتنا لا نحتاج أحياناً لأكثر من هامش صغير للقيام بالكثير مما نريد، وإن انعدام هذا الهامش يحرمنا بلا شك من متع وانطلاقات ومسرات لا حصر لها، الإنسان بطبيعته منحاز للثبات، لا يركض نحو التغيير وقلب الأوضاع إلا في حالات محدودة: كأن يكون مضطراً بعد أن ضاقت عليه الدنيا، فيكون التغيير هو الحل الوحيد، أو أن يتحرك تحت ضغط الجماهير، فالفرد وسط الملايين لا رأي له، إذا تحركت تحرك معها، وإذا توقفت توقف، لأن كتلة الجماهير الهائلة تتحرك بعقل واحد يحركها كالطير القائد الذي يحرك سرب الطيور في رحلات الطيران الطويلة.

وفي كل شيء يحيط بنا أو ذي علاقة وظيفية بحياتنا وأعمالنا ووظائفنا، هناك هوامش جيدة متاحة لنا بنسب متفاوتة: كهامش الحرية عن الرأي مثلاً، وهامش المرونة في التعامل مع القوانين، وهامش التسامح في العلاقات الاجتماعية، وهوامش التنقل، وغيرها من الهوامش التي لو أحسنا توظيفها لكان أفضل بالتأكيد من أن نشيح بوجوهنا عن كل شيء، فنخسر كل شيء، ذاك أشبه بالإنسان الذي يطلب من الحياة كل شيء أو لا شيء، ولكنه في النهاية غالباً ما لا يحصل على أي شيء!

فهامش الحرية أفضل من عدم وجودها، وهامش المرونة أفضل من التشدد و.. وهكذا، إلا أن تردد البعض، وخوفهم والجهل بما هو متاح وعدم السعي للمعرفة والدفاع عما هو متاح، إضافة لمحاولات البعض تضييق تلك الهوامش، كل ذلك يعرقل استغلال هذه الهوامش في كل مجال!

لكن لماذا نحتاج هذه الهوامش في حياتنا؟ لأن الإنسان كائن محكوم بشغف الانطلاق والتوق للحرية، فهو يريد أن يستمتع بحياته ويعبر بحرية عما يفكر فيه، إلا أن الحياة في مدن الحداثة، إضافة للتعقيدات السياسية والجغرافية والمخاطر والتهديدات الأمنية، تجعل من الصعب التعامل مع الحرية بتلك البساطة المتخيلة، من هنا فإن الحرية المطلقة مطلب يكاد يكون مستحيلاً، إلا أنه لا بأس من وجود هوامش تسمح بتلك الحركة التي تجعل الحياة أقل وطأة!

Email