علامة الحضارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يدرس علماء الأنثروبولوجيا كل ما يتعلق بتطور الإنسان في المجتمع، كما يهتمون بتاريخ وتطور السلوك الإنساني في الجماعات الثقافية والعرقية المختلفة، ليتعرفوا عن طريق المعايشة والمشاهدة، أسباب تطور الثقافة والسلوك والأخلاق واللغة، وبالتالي، هم الذين يضعون النظريات الخاصة بنشأة الحضارات، اعتماداً على تحليل المؤثرات والعوامل التي وجهت وأثرت في سلوك الإنسان وتصرفاته داخل الجماعة.

الأستاذة الأمريكية الشهيرة مارغريت ميد، واحدة من أكثر علماء الأنثروبولوجيا الثقافية شهرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد امتدت دراساتها للمجتمعات الإنسانية من أفريقيا إلى آسيا، كما امتد تأثيرها ودرست نظرياتها وكتبها من أمريكا إلى أوروبا وبلدان أخرى.

استندت دراساتها الأنثروبولوجية التطبيقية إلى تعايشها مع ثقافات مختلفة في أصولها وتجاربها الاجتماعية وأعرافها وتقاليدها، وهي صاحبة مقولة (إن طبيعة الإنسان طوعية)، وهذا يعني أن سلوك وردات فعل كل من الرجل والمرأة، يستند إلى التربية الاجتماعية والثقافية التي زرعتها فيهما الأسرة، ووجههما إليها المجتمع، فالرجل يتصرف برجولة وشهامة وتحمّل للمسؤولية، لأن أسرته ربته على ذلك، وتفهم الفتاة حقوقها كامرأة، وواجباتها كزوجة وأم، لأنها تلقت تربية جيدة في أسرتها، أما انعدام التربية والتوجيه، فهو ما يفسر كل ما نلاحظه من انحرافات وتجاوزات تعوق قيامهما بدورهما الحضاري.

مارغريت ميد، هي أيضاً صاحبة مقولة إن السلوك الاجتماعي المتحضر، يعتبر العلامة الأساسية على بداية الحضارة، فقد سألتها إحدى الطالبات، عما تعتبره أول علامة على الحضارة في ثقافة ما، متوقعة أن تتحدث الأستاذة عن ظهور الفؤوس أو الأواني الفخارية، لكن ميد قالت: إن أول علامة على الحضارة في ثقافة قديمة، هي إثبات وجود شخص شفي من كسر في عظم الفخذ.

فإذا كسرت ساقك، تموت لا محالة، حيث لا يمكنك الهروب من الخطر، أو الذهاب إلى النهر للشرب، أو الصيد لتأكل، تصبح صيداً طازجاً للحيوانات المفترسة، إن كسر عظم الفخذ التي تم شفاؤها، دليل على أن شخصاً ما قضى وقته مع الشخص الذي كُسر عظمه، وجبره، ووضعه في مكان آمن، واعتنى به حتى تعافى. مساعدة شخص ما في مواجهة الخطر، هي نقطة انطلاق الحضارة، الحضارة هي تكاتف المجتمع.

Email