أن تبقى على قيد الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس من باب العبث أن يقول كافكا (يا له من جهد أن تبقى على قيد الحياة)، فالحياة ليست سهلة أبداً واحتمال البقاء فيها يحتاج لجهد، وفي خضم ما يواجهه الإنسان تصبح الحياة كقطعة ماس نادرة، كأحجية، وكتحدٍ، ليس بالأمر السهل أن تحافظ عليها بعيداً عن المخاطر والتعديات وعبث الآخرين والمجانين.

الحياة جميلة نعم، فمنذ أن يفتح المرء عينيه وكل ما حوله يعلن له عن خياراتها التي لا تحصى ولا تعد، «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» يقول درويش، وفي قمم الجبال، وعلى الجزر البعيدة وفي الأزقة الضيقة، في الأحياء الفقيرة، وداخل أرقى القصور، مع من تحب أو منفرداً أو مع العائلة والأصحاب، أمامك الشواطئ والأسفار والأسواق والقراءة والموسيقى والأطفال والطعام والعطور والقصائد والحب والأغاني.

هناك فعلاً ما لا يمكن حصره من المتع، ولكن وبالرغم من كل هذه الوفرة الهائلة، إلا أنك تسمع محمود درويش يصرخ بألم شاعر ينظر حوله في أرض محروقة فلا يرى بصيص أمل (كلُّ الَّذِينَ ماتوا، نجوا من الحياة بأعجوبة).

مع ذلك فالحياة خلقت لنحياها، لنستمتع بما أتيح لنا فيها، لنعمرها كل حسب جهده ورؤيته، وبحيث لا يستهدف جهدنا وتذهب رؤيتنا إلى الاعتداء على حياة الآخرين، لأن الحياة فرصة منحت بالتساوي للجميع، التمايز خلق مع الفرص في استغلال موارد الحياة أو وسائل الإنتاج كما قال البعض، فهناك من يملك المصنع وهناك من يعمل فيه وهناك من يسرقه! ومعرفتنا بذلك يجب أن لا تمنعنا من العمل، تماماً كما لم تمنع الزلازل الناس من البقاء في أراضي الزلازل والبناء مجدداً والعيش في المكان نفسه.

أتساءل عن الخيط الرفيع بين الأمل واليأس، وأجد الصورة في أوضح تجلياتها في أولئك البشر الذين يسكنون في مناطق البراكين، كيف يثور البركان ويقذف تلك الحمم القاتلة، ويهلك كل شيء لتعود الحياة أكثر جمالاً وخصباً بعد تلك الحمم ويعود الناس يزرعون هناك ويبنون.. وبالفعل فهناك جهد خارق للتمسك بالحياة والبقاء على قيدها وكل حسب ظروفه.

Email