عدو المعرفة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في واحدة من صفحات الأصدقاء المعنيين بتنظيم وتنشيط مجموعات القراءة وحوارات القراء على الفيسبوك، كتب أحدهم هذه العبارة اللافتة (العدو الأول للمعرفة في عصرنا هو التشتت الناشئ عن الوفرة).

ينطرح التساؤل هنا في اتجاه وفرة وتعدد وتنوع وسائل الوصول والحصول على المعرفة في أيامنا الحالية، وبالرغم من ذلك فهناك عدة ملاحظات تصل حد الشكوى عند الكثيرين خلاصتها: أن لا وقت للإحاطة بكل هذه المعارف، الحيرة الشديدة حيال المتاح أمامنا، بحيث نضيع في دوامة واسعة من ملاحقة الخيارات دون أن نحصل على المعرفة الحقيقية.

إننا نشتري الكثير من الكتب تحت إغراءات الوفرة المالية، والدعايات المغرية، وسهولة الحصول على هذه الكتب، لكننا في نهاية المطاف لا نقرؤها، وبمجرد أن نقرر أنه قد آن الأوان لذلك، تكون معارض كتب أخرى قد حل وقتها، وكتب وإصدارات أكثر قد ملأت الواجهات وطاولات العرض.. وهكذا!

الوفرة ليست أمراً سيئاً بالمطلق، إنها المعادل المضاد لفكرة المنع والقمع وتقييد الحصول والوصول لمصادر المعرفة، كما كان في أزمنة سابقة، حيث كانت المعرفة والعلم نخبوياً ومتاحاً لفئة محددة، نحن اليوم في عصر كُسر فيه هذا التابو، وصارت المعرفة حقاً للجميع، لكن حتى الحرية نفسها لم تكن أمراً مقبولاً أو محتفى به عندما صارت مطلقة وبلا ضوابط، الضوابط والمعايير والتقنين هي ما تمنح الأشياء قيمتها، ولو أننا ضبطنا شراهتنا تجاه شراء الكتب، واشترينا ما نحن بحاجة فعلية له، وما يخدم توجهاتنا وأفكارنا واهتماماتنا، لربما كانت الوفرة أمراً محموداً وليس عيباً كما يقول البعض، بسبب التشتت الذي تغرقنا فيه!

ليست الوفرة هي العدو، ولكنه التشتت والجشع، نعم فحتى في مجال القراءة والكتب والمعرفة يمكن أن تستولي على الإنسان حالة من الجشع، إن جمع المعلومات والكتب ليس غاية في حد ذاته، إنه وسيلة للمعرفة والوعي والثقافة والتبصر والفائدة، لكن التشتت وعدم معرفة الطريقة المثلى للتعامل مع الوفرة يحول الكتب من كونها وسيلة إلى اعتبارها غاية وهنا يكمن الخلل.

Email