صباح ما بعد الكارثة..

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو أننا فحصنا سجل القرن العشرين، وقلبنا ما مرت به الإنسانية خلال هذا القرن من حروب واعتداءات ومواجهات وأمراض وفقر وجفاف وفيضانات وزلازل وكوارث، وما نتج عن ذلك كله، وما أعقبه، فما الذي سنتوصل إليه؟ وإلى أين ستقودنا الأرقام والحقائق والإحصاءات؟ إحصاءات الأرباح والخسائر والأفكار والنتائج!

إن أول ما ستصدمنا به الأرقام هو أن أيام السلام والهدوء، الأيام التي لم تنطلق فيها رصاصة، ولم تلق قنبلة، ولم يطلق مدفع، ولم تفجر سيارة مفخخة، ولم يهدم بيت على رؤوس من فيه، ولم يقتل طفل بلا ذنب، وشاب بلا سبب، وامرأة لأنها لم تستسلم لعدو مغتصب، هذه الأيام تكاد تختفي من ذاكرة البشرية، وإن وجدت أيام سلم فعلية فإنها ستعد على أصابع اليد الواحدة، حتماً ولا محالة!

أما ثانية النتائج فهي أن كل مناطق الفقر والجوع والأمراض والاحتلالات والنزاعات المسلحة، تنتقل في حالة وقف إطلاق النار أو الحد من مخاطر الأوبئة والجوع إلى ما هو أسوأ من ذلك، حيث تسيطر جماعات التطرف والفوضى وتجار السلاح والإرهاب على كل شيء، دافعة بالناس إلى أوضاع معيشية بائسة لا أثر فيها لكرامة أو هدوء أو أمان أو استقرار، ولنا في دول كثيرة خير مثال على ذلك.

وصباحاً جداً، من اليوم التالي لكارثة الزلزال، بدأت بدأب غريب، أطراف عديدة معلومة ومجهولة، لإشاعة ثقافة وفكر المؤامرة، كما هو حاصل في هذه الأيام فيما يخص زلازل تركيا وسوريا، فبينما تتواصل جهود طواقم وفرق الإنقاذ ليل نهار للبحث عن آثار محتملة للحياة تحت الأنقاض، تتواصل على الضفة الأخرى من الحياة جهود أشخاص وصحف ومؤسسات إعلامية للحديث عن زلازل مدبرة، وهزات مصطنعة، وضربات مجهولة بتقنيات فائقة الذكاء لإحداث أكبر قدر من الخسائر والقتلى..

هناك إصرار على جعل الناس يراوحون في الرعب والخوف، وكأنه لا يكفيهم الزلازل والأوبئة والنيازك والصواعق والفيضانات والأعاصير ليجعلوهم في رعب ثابت، بأن الخطر يتربص بالبشرية على مرمى نظرة ونفس وحياة..

 

Email