وقع الوقت!

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم أنها كانت رحلة قصيرة جداً لم تتجاوز 48 ساعة فقط، إلا أن حركتي في هذا النطاق الزمني المحدود كانت ممتدة وواسعة بشكل استوقفني. فخلال هذه الساعات القليلة قطعت رحلة بالطائرة استغرقت ثلاث ساعات ونصف ذهاباً ومثلها في العودة، نزلت في مطار مدينة، وأقلتني سيارة أجرة لمدينة ثالثة، أديت فيها كل المناسك الدينية على أكمل وجه، وقد استغرقت مني زمناً وجهداً كبيرين، وسط إنهاك شديد، خاصة وأنني شخص تؤرقه رحلات الصباح فلا أنام نهائياً ليلة السفر.

قضيت ساعات مليئة بالعبادة والتأمل، كان صوت الأذان يملؤني بالطمأنينة، وصوت القرآن ينقلني إلى حالات من السلام الحقيقي، تنقلت كثيراً في المكان، وتسوقت ودخلت عدة مطاعم، بدا لي أن الوقت كثيف يمكن إنجاز الكثير خلاله رغم أنه لم يكن سوى 48 ساعة! وحين انتهت مهمتنا وشارفنا على العودة، أحسست بشيء من الحزن، ووددت لو أنني بقيت أكثر.

قبل تلك الرحلة بعدة أيام كنت أتحدث مع ابنة أخي، شابة، تعمل في وظيفة تستغرق معظم ساعات نهارها، وهي أم لثلاثة أطفال يلتهمون ما تبقى من وقتها، قالت جملة بقيت عالقة في بالي، (أشعر أننا لا نعيش حياة اجتماعية حافلة، ولا ننجز شيئاً يذكر خلال اليوم، فما يكاد اليوم يبدأ، حتى تشعر بأنه انتهى!).

لهذا يسافر الناس؟ سألتها! قالت: نعم: أظن أننا لا نفتقد شيئاً، فلدينا من كل شيء أفضل الأشياء وأجملها وأوفرها، نحن لا نسافر لنتسوق، ولا لنزور المطاعم، ولا لنسكن أجمل الفنادق.. نحن نملك كل ذلك وأكثر في مدينتنا، لكننا نسافر لنحظى بالحياة في رتمها البطيء ربما والذي لا تعرفه مدن الحداثة والسرعة رغم جمالياتها، فللبطء رونقه الذي يجعل كبار الكتاب والأثرياء والمفكرين يذهبون إلى أبعد مكان ليحظوا به!

في مدن البطء والإجازات تعيش اليوم كأنه أكثر من يوم، إنه مجرد شعور لا أكثر، لكنك ممتن لذلك الشعور!

 

Email