إليكم هذه القصص القصيرة جداً:
• أجلس مستغرقة في مشاهدة فيلم إيطالي لطيف (سبع نساء وجريمة قتل)، فجأة يصلني إشعار بوجود رواية الليالي البيضاء للروسي ديستويفسكي، أقرأ الرسالة، وأكمل الفيلم، وإذ بمشهد يحتل الشاشة كلها: الفتاة في الفيلم تقرأ كتاب الليالي البيضاء لديستويفسكي!
• أفكر بشكل ملحّ في صديقة كانت بيننا مراسلات ومكاتبات يومية، لكنها اختفت بعد كارثة «كورونا»، اليوم كنت أفكر فيها بشيء متواصل، ولمجرد أن فتحت عيني صباحاً، وجدت رسالة منها تقول فيها (اليوم فتحت الجريدة، فوجدت صورك وأنت تديرين جلسة أدبية)!
• كنت قد كتبت منذ يومين عن ضرورة التفكير باكراً في منح مكتباتنا، والتبرع بها للمكتبات العامة أو المؤسسات، فإذا في اليوم نفسه، يدعوني رجل فاضل للاطلاع على تجربة الكويت في هذا الاتجاه، وأنه قرأ مقالي وهو يزور تلك المكتبات المتبرع بها، من قبل الأفراد!
يبدو أن الروائي الأمريكي بول أوستر، حين قال (القصص لا تحدث إلا لمن يعرف كيف يحكيها)، كان يكمل جملة لماركيز، يقول فيها (إن حياة المرء ليست ما يعيشه، ولكن ما يتذكره، وكيف يتذكره ليرويه)!
فهل من الضروري، حسب ماركيز، أن تكون روائياً كي تتذكر؟ أم أن الروائيين فقط هم الجديرون بالذكريات والتذكر، لأنهم يشبهون السحرة، فكما يجيد هؤلاء استخراج عصفور ملون من تحت قبعة رجل، يعرف الروائيون كيف يستخرجون الحكايات، ويعيدون نسجها من: الصور والمناظر التي يعبرون عليها كبقية الناس، ووحدهم من يراها بشكل مختلف، كمشاهد الفقراء على الأرصفة، مرأى عاشقين يتوادعان في محطة قطارات، وطيف ذكرى تلح على البال بعد نأي وطول نسيان!
ثم لماذا يلمع في ذاكرتنا وجه شخص بعينه، أو اسمه، أو يظهر على شاشة الهاتف أو شاشة التلفاز أحياناً، أو يتصل بك بعد غياب طويل، بينما كانت آخر مرة تحدثتم فيها معاً منذ خمس سنوات ربما؟ كيف تستدعي الذاكرة مخزونها، ومن ثم يتجسد هذا المخزون أمام ناظريك في لمح البصر؟.