حفلة شاي ليلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزرع الإنجليز الشاي، لكنهم أشهر من تناول الشاي، وجعل له طقوساً ومحلات وحوانيت في غاية الأناقة والجمال، لا يتغلب عليهم في ذلك سوى اليابانيين أصحاب مدارس الشاي ودروسه وتعاليمه، وتاريخياً فإن الشاي ليس مشروباً إنجليزياً إلا منذ العام 1662، عندما قررت الأميرة البرتغالية كاثرين أوف براغانزا، ابنة جون الرابع ملك البرتغال، الزواج بملك بريطانيا، فجاءت تحمل معها أوراق الشاي الذي أصبح بسببها مشروباً وطقساً إنجليزياً.

أما الإنجليز، فإنهم تسببوا في خسارة مستعمراتهم الضخمة في أمريكا بسبب هذا المشروب العظيم، عندما قام الأمريكيون بثورة عارمة ضدهم بعد قرار برلمانهم رفع الضرائب على الشاي المستورد لصالح إحدى الشركات الإنجليزية، وضد التجار المحليين في المستعمرات، فكانت النتيجة غير متوقعة.

ففي العام 1773 عندما رست 5 سفن إنجليزية محملة بالشاي في ميناء بوسطن، تسلل إليها مجموعة من المعارضين ليلاً، وقاموا بإلقاء حمولتها الضخمة من الشاي في البحر، حفلة الشاي تلك في ميناء بوسطن أطلقت شرارة حرب الاستقلال، وتركت ندبة في تاريخ الإنجليز لم ينسوها أبداً، أما الأمريكان فرفعوا مؤشرات تجارة القهوة، وثلجوا الشاي نكاية بمستعمريهم القدماء، الذين يقيمون قداس شاي الساعة الخامسة يومياً وكأنه طقس حداد!!

بالنسبة للمصريين، فإن من يعرفهم جيداً يعلم أن ليس من بين هواياتهم المفضلة إدمان القهوة، ولندع جانباً (أسمهان وأغنيتها الشهيرة التي تشكل أكبر دعاية للقهوة):

آه يا مين يقول لي أهوى

أسقيه بإيدي قهوه..

وانسوا كذلك الصور النمطية التي تظهر أن الرجل المصري لا يغادر بيته إلا بعد احتساء (فنجان القهوة المضبوط) فالحقيقة أن المصريين يشربون الشاي أكثر من القهوة، حتى إنك نادراً ما تحظى بمقهى يعد لك فنجان قهوة مضبوطة كما تشتهي، في حين أن للشاي قاموساً متنوعاً ومتداولاً حول: أنواع الشاي، وطريقة إعداده، ومسمياته، ونوع الكوب الذي يقدم فيه، وكمية الشاي المستخدمة، ونوعية الماء فيما إذا كانت من الحنفية، أو مياه معدنية، لا ينافسه إلا قاموس القهوة في إيطاليا.

ويبقى المصريون مخترعي (شاي في الخمسينة) كالإيطاليين من أكثر شعوب العالم اختراعاً للحياة في أجمل وأبسط تفاصيلها!

Email